تراث الأمّة واحد ، لكنّ مخزوناته شتّى ، وكلٌّ يَغرف مايناسبه !

يعكف بعض الناس ، على السنّة النبوية ، لمعرفة المزيد من أمور دينه .. كما يهتمّ بعض الناس، بالسيرة النبوية ، ليستقي منها دروساً ، في حياة الأمّة ، عبر ماكان يفعله النبيّ الكريم ، في حياته العامّة ، وفي حربه وسلمه .. ويَميل  بعض الناس ، إلى دراسة  سيَر الصحابة ، لينهل منها مايحتاجه من معرفة .. وبعضُهم  يهتمّ بالفقه وأصوله .. وبعضهم يهتمّ بالتفسير والمفسّرين.. وبعضهم  تستهويه قراءة الأدب ، شعره ونثره ، بشكل عامّ .. وبعضهم يحصر اهتمامه ، بأنواع معيّنة من الأدب ، شعراً ونثراً ، فينحصر اهتمام قسم منهم ، بالشعر الجاهلي ، ويصرف بعضهم وقته ، في قراءة الشعر العباسي ، أو الشعر المعاصر.. كما يعزف بعضهم ، عن الشعر العربي، كله ، سوى ماكان من شعر الحداثة !  

وبعضهم يهتمّ بشعر الشعراء المُجّان ، كشعر أبي نواس وأمثاله ؛ لما يرى فيه ، من ملاءمة لمزاجه ، أو ميوله .. وبعضهم يهتمّ بشعر الحكمة ، كشعر الشافعي ؛ لما يرى فيه ، من فوائد فكرية وخُلقية !

وبعض القرّاء يهتمّ بشعر الزهد ، كشعر أبي العتاهية ، لما يرى فيه من ملاءمة ، لطبيعته وميوله النفسية !

وبعضهم يهتمّ بالتاريخ ، بشكل عامّ ؛ لأنه يرى التاريخ ، كنزاً مفعماً بالعبر، وبما يفيد المرءَ ، في حاضره ، من تجارب الماضين ؛ الحسنة والسيئة ، على السواء!

 ويهتمّ بعض الناس ، بتاريخ الأدب ، الذي تدوّن فيه ، سيَر الأدباء والمتأدّبين ، والمفاضلاتُ بين أنماط الأدباء ، ومدارسهم الأدبية !

ويؤثر بعضهم الاهتمام ، بالأدب السهل ، متمثّلا بقول الشاعر:

ماكلّ قوليَ معروفاً لكمْ ، فخُذوا     ماتَعرفون ، ومالمْ تَعرفوا ، فدَعُوا

ويميل بعضهم ، إلى الأدب الغامض ، متسلّحاً ، بالكثير من الثقة بالنفس ، ومتحدّياً ، مافيه من غموض ، على مذهب القائل :  ولكنْ تأخذ الأذهانُ منه   على قدر القَرائح والفُهومِ

وتستهوي بعضَهم الفلسفة الإسلامية ، وعلمُ الكلام ، والحوارات بين العلماء ، حول الأمور المختلفة ، والمختلَف حولها !

ويهفو بعضهم ، إلى استنباط النظريات ، في مجالات مختلفة، من القرآن الكريم، والسنّة النبوية، والسيرة النبوية !

وصدق الشاعر، الذي قال : وللناس فيما يَعشقون مذاهبُ !

والكلام ، هنا ، ليس عن الدراسات الجامعية ، والبحوث الأكاديمية ، بل عن الميول والاهتمامات! وإن كانت الميول والاهتمامات ، قد تدفع بعض الباحثين ، إلى دراسة نوع معيّن ، من التراث ، لكن لايُتوقّع ، من باحث مختصّ في الفقه وأصوله ، مثلاً ، أن يكتب بحثاً جامعياً أكاديمياً ، في الأدب ؛ فللكليات الجامعية قوانينها ، وهي تَفرض على الطلبة والباحثين ، التقيّد بها !

وسوم: العدد 864