التعليم هداية ... والهداية تعليم

فقه وسياسة :

في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا، خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ " وفي رواية " خير لك مما طلعت عليه الشمس " وفي رواية " خير لك من الدنيا وما فيها " . والحديث متفق عليه. وقولنا متفق عليه ، أو قولنا رواه الشيخان ، أو قولنا رواه البخاري ومسلم، كل ذلك يعني أن الحديث صحيح بل في أعلى درجات الصحة من كتب الصحاح ، التي ضبطت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقد قصرت فهوم بعض شراح الحديث معنى الهداية إلى الهداية الكبرى ، بمعنى أن تهدي رجلا أو امرأة من الكفر أو الشرك إلى الإسلام والإيمان . ونعما الأمر هو . وفي ذلك قصر لعموم لفظ الحديث . فالهداية قد تكون كلية عامة كما فهمها هؤلاء الشراح ، وقد تكون جزئية خاصة وهو ما تسعفه القاعدة الأصولية بالأخذ في عموم اللفظ .

وهذا يعني أن من هداية الإنسان أن تجد مسلما على خطأ في اعتقاد أو في سلوك فتبادر إلى تصحيح ما يعتقد ، وتسديد ما يسلك . ولاسيما إذا كان الأمر متعلقا بدين أو بطريقة في الحياة تنبني على أمر هذا الدين .

إن أجر هداية الناس في العام والخاص ، والكلي والجزئي ، وتقريبهم من الدين الحق والصراط المستقيم يلتحق ، فيما نحتسب على الله ، في هذا الوعد الفسيح الذي أطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وما يعين على هذا الفهم ويسعفه أن كثيرا من العلماء أوردوا هذا الحديث في باب الحض على التعليم ، وفضيلة العالم والمتعلم على السواء .

يعيش المسلمون هذه الأيام عصرا تكاثر فيه الدعاة على أبواب جهنم ، والنافخون في كير الفتنة والضلال ، والداعون إلى الزيغ والانحراف ، كما تكاثر فيه أهل الخفة من الذين يقولون على الله ما لا يعلمون ..!!

وإن مما يثير العجب في واقعنا اليوم أن آلاف العلماء من المهاجرين والمهجرين يديرون ظهرهم للمشهد المضطرب المختلط بكل ما فيه ، لا يهتمون بمن قال ولا بما قيل ، ولا بما راج حتى ظن كثير من الذين لا يعلمون أن ما قاله أصحاب النوايا المريبة أو أصحاب البضاعة المزجاة هو الحق وهو العلم . وأحسن حال هؤلاء حين يسمعون الترويج للباطل فيستقبلونه بالإعراض ، واللواذ بالصمت ، تاركين الفرصة لحاطبي الليل أن يحتطبوا فيوقدوا فيعقدوا حلقات السمر على دخان حطبهم المختلط . دون أن تكون لدى أحد هؤلاء العلماء الهمة - إلا من رحم الله طبعا - ليمد يده إلى صفحة رأي عام فيقول : يصح ولا يصح ، يجوز ولا يجوز ..فيهدي ويعلم ، ويبينه للناس كما أخذ الله عليه الميثاق ( لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ )

إن صفحات الرأي العام بكل صورها اليوم هي المنبر ، أو كرسي التدريس ، الذي يندب كل علماء المسلمين إلى شغله بالهداية والتعليم . و علاقة التعليم بالهداية علاقة عام وخاص ، تتحير في الأوسع منهما بحسب الاعتبار ، فكل هداية تعليم حق وصواب . وكل تعليم حق وصواب هو هداية ، هداية للتي هي أقوم ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ )

أحيانا يكتب الإنسان المنشور أو الكلمة وهو يعلم أنه رجل مغمور من فئام الناس ، لا يكاد يأبه لقوله أحد ، ويتساءل وفيم التعب ؟ وفيم النصب ؟ وفيم ملاحاة الناس ؟ أوليس الاتكاء على الأريكة والسباحة في سحب أحلام اليقظة أكثر متعة وأكثر خلابة ..؟!

لكل هؤلاء الحريصون على هداية الناس ، وتعليم الناس وتذكير الناس ، وتكثير سواد الدعاة إلى الحق أذكر بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي النبي يوم القيامة ومعه الرهط ، ومعه الرجلان ، ومعه الرجل .. وليس معه أحد ..

اكتب حقا واجهر به مما يمس واقع المسلمين . اكتب بعلم ، واهدِ إلى صراط مستقيم ، اكتب واذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم : لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من الدنيا وما فيها ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 866