كورونا بعثية

هناك قصة شائعة في سورية، تُروى على سبيل النكتة، عن رجل تعرّض لحريق، فآزره الأهل والجيران حتى أطفأوه، ثم حملوه بسيارة أحدِهم، وذهبوا إلى طبيب مختص بالأمراض العظمية، فاستغرب الطبيب وقال لهم: لعلكم مخطئون بمجيئكم إلى هنا، لِمَ لا تأخذونه إلى طبيب مختص بالحروق والأمراض الجلدية؟ فقالوا: سنأخذه، ولكن دعنا نجبر كسوره أولاً، لأننا أطفأناه بالرفوش والكريكات.

مع أن هولاء الرجال لا علاقة لهم بالسلطة، إلا أن معظم تصرّفات النظام الأسدي يجري نسجُها على هذا المنوال، بدليل حكاية جرت أحداثُها في الثمانينيات، عندما كان النظام المخابراتي السوري في أوج جبروته، وهي أن مواطنا سوريا اشترى عبوة ملأى باللبن الخاثر من كولبة يمتلكها شاب في مقتبل العمر (اتضح لاحقاً أنه عنصر مخابرات)، وفي البيت اكتشف أن اللبن محمض، فأعاده إليه، وقال له، بكل لطف: يا جاري، هذا اللبن محمض. فاستشاط العنصر غضباً وقال: أنت تسبّ على حافظ الأسد يا واطي؟ وبلمح البصر، ترك المواطن اللبن والنقود والكولبة، وتخلى عن فردتي حذائه، وركض باتجاه بيته وهو يتلفت وراءه كما لو أنه هاربٌ من شبح عدد من الأوبئة المستعصية، لم يكن بينها كورونا، يومذاك، بالطبع.

أؤكد لحضراتكم، وأنا أخوكم الذي عاش في سورية ستين سنة على جَنَب واحد، أن حكاية وعاء اللبن المحمض وحافظ الأسد لم يؤلفها معارض للنظام الأسدي بقصد الإساءة، بل إنها ممكنة الحدوث، وقد زعم أحد أصدقائي، وهو من حلب، أنه اشترى من صيدلية دواء تبين أن صلاحيته منتهية، فأعاده إلى الصيدلي الذي فاجأه بعبارة شبيهة بما قاله صاحب الكولبة: قصدك أن الدواء الذي يُباع في سورية الأسد منتهي الصلاحية، يا حقير؟

وهناك قصة ثالثة عن مدير إحدى المؤسسات الاقتصادية السورية، يقال إنه كان يحثّ الموظفين لديه على الصراحة والشفافية، باعتباره مولعاً بمصطلح ظهر أيامَ الرئيس السوفييتي الأخير غورباتشوف اسمه "الغلاسنوست"، أي الانفتاح السياسي، لذا سيترك باب مكتبه مفتوحاً لمن يريد أن يأتي ويدلي بدلوه حول أي ظاهرة يمكن أن تؤذي الصالح العام، ومَن يعاني من عقدة الخجل، ولا يحب أن يحكي وجهاً لوجه، يمكنه أن يكتب رسالةً ويضعها في صندوق الشكاوى.. وخلال الأيام الأولى من عهد هذا المدير، دخلت صندوق الشكاوى بضع رسائل، كان يفتحها ويقرؤها ويكتب عليها: إلى قسم "الموازنة والصرف"، لإجراء اللازم، وبناء على هذه الملاحظة كان يُشْحَط الشاكي إلى مكان منعزل، وهناك يُجْرون له اللازم ويصرفونه، دواليك حتى لم تعد تدخل إلى صندوق الشكاوى رسالة واحدة.

بالقياس على ذلك، يمكننا أن نتخيل الطريقة التي سيتعامل بها النظام السوري مع وباء كورونا الذي قد يحمله إلى سورية إخوة إيرانيون قادمون لأجل حماية ضريح السيدة زينب من عبث السلفيين الجهاديين التكفيريين، والانتقام لدم الحسين الذي قتله، بزعمهم، أهل معرّة النعمان وسراقب بانياس والقصير ومعرتمصرين.. وهي أن يؤتى بمريضٍ مشتبهٍ بإصابته بكورونا إلى أحد المشافي العامة. يدخلونه إلى جناح الإسعاف، ويقيس الطبيب المناوب حرارته وضغطه، بينما مرافقوه يراقبون وجهه قلقين من احتمال أن يكون مصاباً بالفعل.. فإذا تأكد أنه مصاب، ومات، تستدعي المفرزةُ الأمنية المقيمة في المشفى الطبيبَ الشرعي، وتتفق معه على أن يكتب في التقرير أنه مات نتيجة التهاب في اللوزتين، أو جريب معوي حاد، ويسجّل أسماء مرافقيه الذين أحضروه إلى المشفى، ويوضعون تحت المراقبة، ليس خوفاً من احتمال أن يكونوا مصابين بالعدوى نتيجة التلامس مع المريض المرحوم، وإنما لمنعهم من وهن عزيمة الأمة، وبث الشائعات المغرضة التي تقول إنه مات بكورونا وليس بالجريب المعوي الحاد.. ومَن يخالف التعليمات سيكون مصيراً مجهولاً، ولا تستغربنَّ أن يصيبه حريق، ويطفئه الرفاق بالفؤوس والكريكات.

وسوم: العدد 869