أين بشار الأسد؟

لم تمر سوريا في تاريخها بهذا الوضع الكارثي المأساوي حتى في أعتى أيام الثورة والصراع بين النظام وقوى المعارضة والشعب السوري. لا عجب إذاً أن النظام كان يحاول على الدوام أن يؤخر نهاية الأحداث أقصى المستطاع، لأن الحرب تناسبه أكثر بكثير من السلم ولأنها تطيل في عمره. وقد قلناها مرات ومرات أن الوضع السوري الذي سيواجهه النظام أو غيره بعد أن يبرد الحدث السوري سيكون أصعب وأخطر بعشرات المرات من وقت الحرب. لماذا؟ لأن الجرح لا يؤلم صاحبه كثيراً وهو ساخن، لكنه يكون في غاية الوجع والإيلام بعد أن يبرد. وهذا ما يلاحظه السوريون الآن وفي مقدمتهم العصابة الحاكمة. سوريا الآن في وضع جهنمي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وخاصة بالنسبة للمؤيدين الذي دعموا النظام وساعدوه على مدى التسع سنوات الماضية في تدمير سوريا وتشريد شركائهم في الوطن، ويبلغ عددهم أكثر من نصف الشعب السوري.

لقد ضحك بشار الأسد وزبانيته على مؤيديه قبل سنوات ووعدهم بعد انتهاء الحرب بتطهير سوريا من العملاء والخونة وهم في الغالب أكثر من ثلاثة أرباع الشعب السوري، وبأنه سيصنع بعد ذلك مجتمعاً متجانسا خالياً مما أسماهم طاغية الشام في أحد خطاباته بالجراثيم والبكتريا، ويقصد طبعاً كل من يعارضه أو لا يقبل به من السوريين حتى لو كانوا يشكلون تسعة وتسعين بالمائة من الشعب السوري. لكن العتمة، كما يقول المثل الشعبي لم تأت على قد يد الحرامي، فها هي الحرب قد وضعت أوزارها تقريباً بفضل الدعم العسكري الروسي والإيراني المدفوع إسرائيلياً وأمريكياً، لكم عصابة الأسد تشعر الآن بغصة كبرى لأنها لم تعد قادرة على التسويف وتأجيل مطالب واستحقاقات المؤيدين إلى وقت أطول، فها هم المؤيدون وأبناء الأقليات الذين إما وقفوا مع النظام أو على الأقل وقفوا على الحياد، ها هم الآن يرفعون أصواتهم ويرددون نفس الشعارات التي أطلقها الثوار قبل تسع سنوات. ولو نظرت إلى شعارات انتفاضة السويداء الآن لوجدت أنها أكثر حدة من شعارات الثورة الماضية، لا بل إن المحتجين تحدوا الأسد بشكل شخصي في إحدى المظاهرات قبل أيام ورفعوا له الأصبع الوسطى، وهددوه باستخدام الرصاص إذا اقتضى الأمر لأول مرة بعد أن كان الأسد يعتبرهم من حلفه، خاصة وأنه يرفع منذ سنوات شعار حماية الأقليات، لكن الأقليات الآن باتت أكبر خطر يهدد النظام، فالوضع المعيشي الكارثي في ظل انهيار الليرة السورية، بات أكبر خازوق يواجه النظام ويهز أركانه. وكما يقول المعلق السوري الشهير فراس الأسد ابن رفعت، وهو من الأصوات الثورية الصادقة والنظيفة رغم انتمائه لعائلة الأسد، يقول في آخر منشور له على صفحته في مواقع التواصل: «هل المنتفضون في السويداء داعشيون؟ هل خرجوا من الجوامع؟ هل يحملون فكر العرعور؟ هل يؤمنون بفتوى ابن تيمية؟ هل ينشدون «بالذبح جيناكم»؟ هل يريدون قيام دولة إسلامية؟» بالطبع لا، ولهذا من الصعب جداً الانقضاض عليهم وتبرير البراميل المتفجرة بأنها تستهدف الدواعش والمتطرفين. النظام يواجه الآن الأقليات التي ادعى أنه حاميها من الدواعش والإسلامجيين التكفيريين.

ولا يختلف وضع الأقليات في الساحل السوري معقل النظام عن وضعهم في السويداء، فالجوع كافر، وبدل أن يحقق بشار الأسد المجتمع المتجانس لمؤيديه، ها هو اليوم يواجه أخطر قانون أمريكي يهدد سوريا في تاريخها، ألا وهو قانون قيصر الذي بدأ يخنق النظام اقتصادياً قبل أن يبدأ تنفيذه بعد أيام. لقد بات الوضع في سوريا على كف عفريت فعلاً، لا بل إن المعارضين الذي فشلوا في تغيير النظام يشعرون الآن وكأنهم قد حققوا من خلال قانون قيصر الأمريكي أكبر نصر على الأسد في تاريخه. لهذا تمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي بالشماتة مما وصل إليه وضع النظام ومؤيديه داخل سوريا، حيث بات أقرب المقربين يستهدف رأس النظام شخصياً بالشتائم بعد أن طفح بهم الكيل ولم يعودوا قادرين على شراء رأس بصل، وبعد أن صارت سندويشة الفلافل طعام الفقراء في سوريا حلماً بعيد المنال بسبب انهيار الليرة السورية أمام الدولار ليصل سعرها قبل أيام أربعة آلاف ليرة للدولار الواحد علماً أن أفضل راتب في سوريا لا يتجاوز الخمسين ألف ليرة، أي ما يعادل أربعة عشر دولاراً فقط لا غير.

وبالرغم من أن سوريا تواجه كارثة معيشية لم تشهدها منذ تأسيسها، إلا أن بشار الأسد لم يكلف نفسه للحظة واحدة بتطمين السوريين أو على الأقل شرح الكارثة أو حتى تبريرها، فقد ترك المهمة للشمطاء الشهيرة مستشارته بثينة شعبان لتطلب من السوريين أن يصمدوا في وجه المؤامرة الكونية، مما أثار غضب واستهجان المؤيدين قبل المعارضين. وقد وصل الأمر بالسفير السوري السابق في بريطانيا سامي الخيمي المحسوب على النظام إلى السخرية من النظام وشعاراته البالية في مواجهة أخطر أزمة تهدد البلاد. وقال الخيمي في منشوره: «بس يخبرك ابنك أنه جوعان ومشتهي اللحمة أو الموز، احكيلو عن المؤامرة الكونية، احكيلو عن الصمود والتصدي، احكيلو عن تحــرير القدس ومحاربة الرأسمالية والإمبريالية، واذا ما اقتنع بيكون ابنك منــدس عميل للصــهيونية، اقتــلوا وريح الوطن منه».

واضح تماماً أن الثورة الآن تشتعل في صفوف المؤيدين للنظام، بينما بشار وزوجته منشغلان هذه الأيام فقط في الاستحواذ على مليارات رامي مخلوف والتكويش على ثروات الحيتان الكبار.

وقبل أسابيع قليلة دفع بشار ثلاثين مليون دولار حسب صحيفة روسية ثمن لوحة فنية قدمها هدية لأسماء الأسد «ماري انطوانيت الشام»، بينما مؤيدوه في الساحل السوري يأكلون من الزبالة بعد أن قدموا له مئات الألوف من شبابهم كي يبقى على عرشه الذليل. لا أحد يسمع صوت الرئيس المزعوم في أخطر مرحلة تمر بها سوريا ومؤيدوه كي لا نقول معارضيه. أين بشار الأسد؟ ألا يستحق مؤيدوه الجائعون الآن كلمة مواساة على الأقل عبر سكايب؟

البعض يزعم أن بشار يمضي معظم وقته وهو يلعب البلي ستيشن. وكثيرون من السوريين لا يستبعدون ذلك.

وسوم: العدد 881