التطوع لتعليم العربية لأطفال النزوح!

gada898.jpg 

نقرأ أحيانا أخبارا أليمة، منها أن جيلا كاملا من الأطفال السوريين المهاجرين مع عائلاتهم إلى تركيا وسواها لا يجيدون العربية. فالأهل منشغلون بتأمين الرزق، واللاجئ لا يستطيع فرض شروطه على البلد المضيف. حسنا، من المفيد أن يتحدث الأهل مع أطفالهم بالعربية في البيت، لكن لا بد من المدرسة لتعليم القراءة والكتابة، والمدرسة التركية ليست مرغمة على تعليم لغة (أجنبية) هي العربية، إلى جانب لغة الوطن (تركيا)! ولولا عملي الأدبي وغربتي لتطوعت لتعليم العربية قراءة وكتابة لأطفال في المخيمات.

النازح يسعى خلف الرزق قبل تعليم أولاده اللغة الفصحى، لكن ذلك حدث، حتى لدى أصدقاء من المهاجرين الميسورين، كصديقين يتحدثان للأسف باللغة الإنكليزية في البيت، وكبر الأولاد في لندن وأتقنوا الإنكليزية لا العربية، وهكذا حين عاد الزوج إلى لبنان لم يرافقه أولاده لأنهم لا يعرفون كلمة بالعربية، وبالتالي وعلى الرغم من جنسيتهم اللبنانية، لا يتحدثون إلا بالإنكليزية ووعى صديقي غلطته لكن بعد فوات الأوان بربع قرن.

العربية لغتنا، وعالمنا العربي المضطرب هو عالمنا، ومن واجبنا نحو أنفسنا قبل الوطن تعليم أولادنا اللغة العربية. لا يكفي في الغربة أن يتحدث الوالدان مع أولادهم بالعربية لتصير لغة البيت، بغض النظر عن لغة بلد اللجوء، بل من الضروري إرسالهم إلى مدارس لتعليم العربية في لندن وباريس وسواها من العواصم، وهكذا حين عاد صديقي إلى لبنان رفض الأبناء العودة لأنهم ببساطة لا يعرفون لغة وطنهم الأم بل يتكلمون الإنكليزية، وعاد وحيدا ونادما.

وكل قادر على التبرع بوقته لتعليم العربية لأطفال المخيمات للسوريين النازحين يقوم بعمل وطني نبيل يستحق الاحترام.

أنا كاتبة أميّة!

لا أجهل القراءة والكتابة بعدة لغات، لكنني أميّة بلغة العصر لأنني أجهل طريقة استعمال وسائل التواصل الاجتماعي والكمبيوتر، وبالتالي الإنترنت. أدركت أنني أمية في الشهر الثاني لوصولنا إلى باريس.

ولأن الحرب الأهلية اللبنانية كانت مستعرة، استمعت إلى نصيحة صديقة لبنانية بتسجيل ابني في مدرسة باريسية، واخترت أقربها إلى بيتي واسمها (إكول أكتيف بيلانغ) أي متعددة اللغات، وأسعدني أن اللغة العربية من بين اللغات العديدة التي تقوم بتدريسها.

ورافقت ابني لتسجيله في المدرسة، وحملت معي يومئذ سجل علاماته الأخيرة في بيروت في كلية IC ولم يخطر ببالي يومها أنه سيحصل ذات يوم على شهادة الدكتوراه بعد أعوام. والتقيت يومها المسؤولة عن تسجيل الطلاب، ووجدت (علامات ابني في سنته الأخيرة في «IC» بيروت جيدة، وقالت إنها مسرورة بانضمامه إلى مدرستهم، لكنها سألتني هل يتقن استعمال الكمبيوتر؟ قالت إنه جهاز عليه أن يقتنيه ويتعلم طريقة استعماله، فهو لغة العصر وإلا فلن يتم قبوله في أي مدرسة فرنسية راقية ومعظمها مزود بالكمبيوتر لتعليم الطلاب استعماله. وكانت المرة الأولى التي أسمع فيها باسم «الكمبيوتر»!!

الضيف الكبير يؤلمني!

وهكذا دخل (الكمبيوتر) إلى بيتنا، قررت يومها أن أتعلم مع ابني استعماله، لكنني منذ الجلسة الأولى شعرت بألم في عيني!

طبيب العيون أمرني: لا كمبيوتر. عيناك لا تتحملان شاشته!! ووعيت أنني صرت كاتبة أمية بمعنى عصري ما، وتأكدت من ذلك لعجزي عن التواصل مع القراء في عدة لمسات على (الكلا فيية) هذا ناهيك عن كتابة مقالاتي وإرسالها مباشرة في الوقت نفسه إلى المنبر الذي أكتب فيه. وذلك يحز في نفسي.

آمل ألا يكونوا من الأميين مثلي

أعود إلى أطفال النازحين المقيمين في المخيمات. بانتظار العودة إلى الوطن. أعرف استحالة تعليم استعمال الكمبيوتر لمن يعيش في مخيم بلا كهرباء، لكنني أتمنى أن يتعلم أولئك الأطفال من أبناء سوريا القراءة والكتابة بالعربية. والحل في نظري في وجود أساتذة يتبرعون بذلك مجانا لأبناء السوريين في الغربة، وهو عمل نبيل يستحقون عليه وساما من القلب العربي، أما الكمبيوتر فلا أدري مما إذا كان يتم تدريسه في المدارس العربية أم أن معظم الطلاب الصغار في بعض الأقطار العربية هم من الأميين مثلي!

تُرى ألا يستحقــــون تزويد المدارس بلغة العصــــر الكمــــبيوتر أسوة بتزويد الجيـــش بالسلاح، أم أننا لا نؤمن بعد بسلاح العلم العصري؟

وسوم: العدد 898