تنتصر الأمة بعدل حكامها

نفهم دوافع الدول المطبعة مع العدو الصهيوني في مقاطعة تركيا اقتصادياً، ولكن ما لم تهضمه ‏المعدة هو ما تقوم به دولة الحرمين الشريفين من الاقدام على إجراءات مقاطعة تركيا اقتصادياً، ‏ففي خطوات حمقاء وتصريحات نشاز دعا رئيس مجلس الغرف التجارية السعودية "عجلان ‏العجلان" إلى عدم التعامل مع تركيا اقتصاديا سواء عبر الاستثمار أو الاستيراد أو السياحة.‏

وكتب "العجلان" على حسابه بـ"تويتر": "أقولها بكل تأكيد ووضوح: ‏لا استثمار.. ‏لا استيراد.. ‏لا ‏سياحة..‏ نحن كمواطنين ورجال أعمال لن يكون لنا أي تعامل مع كل ما هو تركي".‏

وأكمل: "حتى الشركات التركية العاملة بالمملكة أدعو إلى عدم التعامل معها، وهذا أقل رد لنا ‏ضد استمرار العداء والإساءة التركية إلى قيادتنا وبلدنا".‏

وأنا هنا أريد التعليق على آخر كلمات قالها رئيس غرفة التجارة السعودية: (وهذا أقل رد لنا ضد ‏استمرار العداء والإساءة التركية إلى قيادتنا وبلدنا)، ولن أوجه ردي إلى من تفوه بهذه الكلمات ‏غير المسؤولة، بل أريد أن أتوجه بكلماتي إلى صاحب الشأن جلالة الملك سلمان بن عبد ‏العزيز خادم الحرمين الشريفين فهو صاحب القرار والشأن، والذي أتمنى منه أن يستمع إلى عقل ‏أولي النهى؛ الذين يريدون الخير للمملكة السعودية ولتركيا وكافة المسلمين في العالم:

جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز.. بداية أذكّركم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"، وهذه كلمة تقولها العرب، وكان العرب عندهم تعصب ينصرون أصحابهم وإن ظلموا، واشتهر عندهم هذا: (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا)، فلما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا رسول الله! كيف أنصره ظالمًا؟ قال: تحجزه عن الظلم فذلك نصرك إياه، نصر المظلوم واضح، لكن نصر الظالم معناه: منعه من الظلم وحجزه عن الظلم هذا نصره، فإذا أراد أن يضرب أحد تقول: لا، قف تمسكه، إذا أراد أن يأخذ مال أحد تمسكه هذا نصره، إذا كان لك استطاعة تمنعه من ذلك، هذا نصر الظالم، تعينه على نفسه وعلى شيطانه تنصره على شيطانه وعلى هواه الباطل، نعم. وهذا التفسير جاء في صفحة الشيخ الإمام ابن باز رحمه الله.

وأذكرك يا جلالة الملك بحادثة لطم ملك الغساسنة جبلة بن الأيهم الأعرابي الذي داس عن غير قصد على طرف ثوبه في الطواف، ولما أراد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الاقتصاص من جبلة فر إلى الشام مرتداً عن الإسلام، كما أذكرك بحادثة القبطي الذي لطمه ابن عمرو بن العاص (كان والياً على مصر) عندما سبقه في سباق للفروسية، وهو يقول له أتسبق ابن الأكرمين!

فذهب القبطي إلى المدينة وشكى حاله إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي أرسل من فوره إلى عمرو بن العاص أن يحضر ولده ويأتيه حالاً، ولما مثل بين يديه نادى القبطي وقال له الطم ابن الأكرمين وأبيه لأنه لم يحسن تأديبه.

جلالة الملك سلمان واجهتك بهذا الحديث الشريف، وحادثتي جبلة وابن العاص آملاً أن تتعظ بها لتسلم من العقاب؛ يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

وتركيا اليوم وهي تضع نصب عينيها تحقيق العدالة بالنسبة للجريمة البشعة التي ارتكبت على أراضيها في قنصلية بلادكم في إسطنبول، حيث تم قتل مواطن سعودي بطريقة مشينة؛ وكان ذنبه الوحيد أنه يعارض سياسة ولي عهدكم الرعناء، التي تجر آل سعود والمملكة والعرب إلى أتون المهالك والخراب والدمار، وكنا نتمنى أن تبدي الحكمة والعدل في مواجهة من أقدم على الأمر بارتكاب هذه الجريمة البشعة، بدلاً من أن تسوغوا فعال من ارتكب الجريمة؛ حماية لولي عهدكم؛ ولثلة من المتملقين الذين يحوطن بولي عهدكم، والتي تحوم كل الشبهات بأنه هو من أمر بقتل الصحافي جمال خاشقجي وأن الثلة المتملقة هي من نفذت الجريمة.

وتركيا في هذا الدور الذي تقوم به تريد نصر الظالم بكف يده ووقفه عند حده، ومنعه من التمادي في ارتكاب مثل هذه الجرائم؛ تحقيقاً للعدالة التي كنا نتمنى أن تقوم على يدك، وأنت خادم الحرمين الشريفين، ويقع على عاتقكم مسؤولية العدل وإقامته سواء داخل بلادكم أو خارجها.

كما نتمنى على جلالتكم يا خادم الحرمين الشريفين أن تعيدوا العلاقة إلى طبيعتها مع تركيا الدولة المسلمة التي تتمنى لكم الخير والتقدم والازدهار والنماء والسلامة، وهي لم تكن يوماً معادية لكم أو متآمرة عليكم، بل كانت على الدوام سنداً لكم في كل الخطوب التي واجهتكم، وهي فقط تريد نصرة المظلوم، وأعتقد أنكم تشاطرونها هذا الأمر، وأن تكونوا على يقين أن القطيعة بين بلدكم وتركيا تفرح الأعداء؛ سواء في تل أبيب أو طهران، فهاتين العاصمتين هما أس البلاء للعرب والمسلمين، ولا قيامة للعرب والمسلمين إلا بتعاون كل من الرياض وأنقرة، فهما الدولتان اللتان تملكان القوة إذا ما اتحدتا في مواجهة الأخطار التي تحيق بالأمة، فهل ننتظر قراراً صائباً من جلالتكم يفرح العرب والمسلمين ويغيظ الأعداء والمتربصين بنا وبأوطاننا؟

وسوم: العدد 899