اللحظة الأخيرة لأهل الوفاء من السوريين الأحرار

سيدتنا أسماء بنت الصديق " ذات النطاقين " وابنها عبد الله

وقام عبد الله بن الزبير ، الزبير بن صفية عمة رسول الله والمكنى بحواري رسول الله ، بالأمر في عهد يزيد ، وسُلم عليه بإمرة المؤمنين نحوا من تسع سنين ، ودانت له الحجاز ومصر والعراق وما وراءها ، وولي أخوه مصعب على العراق ، ووفد عليه الشعراء ، وفيه قال بن الرقيات :

إنما مصعب شـهاب من الله ... تجلت عن وجهه الظلماء

ملكـه ملك قوة ليـس فيه ... جبروت منه ولا كبرياء

يتقي الله في الأمور وقد أفلح ... من كان همَّـه الاتقـاء

قالوا ...

ثم كان عهد عبد الملك بن مروان ، فنهض لحرب بن الزبير ، وقُتل مصعب في العراق ، ووصل جيش عبد الملك بقيادة الحجاج بن يوسف إلى مكة ، وحاصر ابن الزبير حتى كان من أمره ما كان ..

وهذا حوار اللحظة الأخيرة ، وهي اللحظة التي يعيشها أهل الوفاء من أحرار سورية اليوم ، أنقلها كما هي ، ليعتبر منها معتبر ، ويستفيد منها مستفيد .

 الحوار بين عبد الله بن الزبير القائم بالحق وبين أمه أسماء بنت أبي بكر ، يشكو له فتُشْكيه ، ويسألها فتجيبه ، بلسان الأم الحنون الراضية المعتصمة بنور الحق ..

تأمل هذه الكلمات إذا سمعت من يدعو إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه وهل يمكن إنقاذ شيء في سورية في ظل القاتل المبير !!...

 وتذكر هذه الكلمات إذا دعوك ودعوك ودعوك ..

قف عند قول تلك الأم المؤمنة الرضية وهي توصى ابنها الرجل القوي وهي ضريرة قد جاوزت التسعين ، وتقول له : وإن كنت تعلم أنك على حق فامض على ما مات عليه أصحابك ...

تذكر قول ذلك القائد وهو تعرض عليه النجاة فيقول : بئس الشيخ في الإسلام أنا إذا دعوت قوما للقتال ، فلما قُتلوا رغبت عن مضاجعهم ..!!

وكم تراهم يرغبون !!

وعايشناهم أربعين سنة يُقتلون ، ثم يعرضون علينا بدل دمائهم : ترقيع دستور !!

لن أطيل وسأترككم مع حوار اللحظة الأخيرة بينكم وبين ثورتكم ومن سبق من شهدائكم ..

و دخل عبد الله بن الزبير في يومه الأخير على أمه أسماء ، فقال:

يا أماه قد خذلني الناس حتى ولدي وأهلي ولم يبق معي إلا اليسير ، ومن ليس عنده أكثر من صبر ساعة، والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا، فما رأيك؟ فقالت:

أنت أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو ، فامض له فقد قتل عليه أصحابك . ولا تمكن من رقبتك يتلاعب بها أعداؤك ، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت ، أهلكت نفسك ومن قتل معك .

وإن قلت كنت على حق فلما وَهَن أصحابي ضعفتُ ، فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين، كم خلودك في الدنيا ؟! القتل أحسن!

 فقال:

يا أماه أخاف إن قتلوني أن يمثلوا بي ويصلبوني. قالت: يا بني إن الشاة لا تتألم بالسلخ إذا ذبحت، فامض على بصيرتك واستعن بالله.

فقبل رأسها وقال: هذا رأيي والذي قمت به داعياً إلى يومي هذا ، ما ركنت إلى الدنيا ولا أحببت الحياة فيها، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله وأن تُستحل حرماته، ولكني أحببت أن أعلم رأيك، فقد زدتني بصيرة، فانظري يا أماه فإني مقتول في يومي هذا، فلا يشتد حزنك ، وسلمي الأمر إلى الله ؛ فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر ، ولا عمل بفاحشة ، ولم يَجُر في حكم الله، ولم يغدر في أمان ، ولم يتعمد ظلم مسلم أو معاهَد، ولم يبلغني ظلم عن عمالي فرضيت به بل أنكرته، ولم يكن شيء آثر عندي من رضا ربي، اللهم لا أقول هذا تزكية لنفسي ولكني أقوله تعزية لأمي حتى تسلو عني!

فقالت أمه:

إني لأرجو أن يكون عزائي فيك جميلاً، إن تقدمتني احتسبتُك، وإن ظفرتَ سررتُ بظفرك، أخرج حتى أنظر إلى ما يصير أمرك.

فقال:

جزاك الله خيراً، فلا تدعي الدعاءَ لي. قالت: لا أدعه لك أبداً، فمن قتل على باطل فقد قتلت على حق.

ثم قالت:

 اللهم ارحم طول ذاك القيام في الليل الطويل ،وذلك النحيب والظمأ في هواجر مكة والمدينة وبره بأبيه وبي! اللهم قد سلمته لأمرك فيه ورضيت بما قضيت فأثبني فيه ثواب الصابرين الشاكرين!

 فتناول يديها يقبلهما...

 فقالت: هذا وداع فلا تبعد..

 فقال لها:

 جئت مودعاً لأني أرى هذا آخر أيامي من الدنيا.

 قالت: امض على بصيرتك وادن مني حتى أودعك. فدنا منها فعانقها وقبلها، فوقعت يدها على الدرع ...

فقالت : ما هذا صنيع من يريد ما تريد ( تستنكر عليه أن يلبس الدرع وهو يريد الشهادة ) .

 فقال :

ما لبسته إلا لأشد منك. قالت: فإنه لا يشد مني، فنزعها ثم درج كمية وشد أسفل قميصه وجبة خز تحت أثناء السراويل وادخل أسفلها تحت المنطقة وأمه تقول له: البس ثيابك مشمرة. " كناية عن الجد في الأمر "

فخرج وهو يقول:

إني إذا أعرف يومي أصبر ... وإنما يعرف يومه الحر

إذ بعضهم يعرف ثم ينكر

فسمعته فقالت :

تصبر إن شاء الله، أبواك أبو بكر والزبير ، وأمك صفية بنت عبد المطلب ، فحمل على خصومه حملة منكرة فقتل منهم ثم انكشف هو وأصحابه . وقال له بعض أصحابه لو لحقت بموضع كذا قال بئس الشيخ أنا إذا في الإسلام لئن أوقعت قوما فقتلوا ثم فررت عن مثل مصارعهم ...

وتأملوها ففيها من الحق ما يعتبر به معتبر.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 899