عنوان من الذاكرة : "معونة الشتاء .."

وكنا إذا دخل الشتاء قادت أجهزة الدولة السورية حملة لجمع التبرعات تحت عنوان " معونة الشتاء " .أتذكر هذا وأنا في الصف الثاني الابتدائي 1955 وكان أقل إيصال للمساهمة في الحملة ليرة سورية واحدة . يا عزها تلك الليرة في ذلك الزمان . ومع التبرعات النقدية كانت تقبل التبرعات العينية وجلها من الألبسة في ذلك الزمان . وأتذكر أستاذنا زكي كنيفاتي رحمه الله تعالى وهو يقول لنا : ويمكن أن تشاركوا بملابسكم التي صغرت عليكم ، طبعا وهو يقصد التي كبرنا عليها ، وكنا جميعا في سن نمو الأطفال . ولا أدري لماذا الناس في مجتمعنا المحلي ينسبون الصغر والضيق للملابس ولا ينسبون النمو لجسم الإنسان ، أعتقد أنها طريقة خفية للتعبير عن التهرب من المسئولية تجتاح حياتنا على كل المستويات . كلنا يعلم أن الثوب لا يصغر ، ولكننا نصر على هذا التعبير .

كانت حملة " معونة الشتاء " تدار كما قلت على مستوى الدولة في سورية بكافة أجهزتها ، بين يدي كل شتاء في كل عام لمصلحة المواطنين السوريين القاطنين على المناطق الحدودية . وكان الأساتذة والمحرضون على التبرعات ، يتحدثون عن قسوة البرد والثلج في المناطق الحدودية ، ويصفون القاطنين على الحدود بأنهم درع الوطن ..

كانت الإذاعة السورية تشارك في إدارة الحملة ، وكان أصحاب الدثور يتبارون في المساهمات السخية التي تدعم مشروع تقديم مساعدة شتوية مجزئة لمن يدهمهم البرد والشتاء ..

وأتذكر اليوم فأذكر بإخوة لنا يعيشون في العراءات ، تحت شجر الزيتون ، أو في شبه الخيام ، أو في بيوت خاوية من كل مقومات الحياة ..إخوة لنا ينزل بهم البرد ، وتصفعهم مع الصباح والمساء الريح ، ويجتاحهم السيل والمطر .. ثم ينوؤون في هذه الظروف القاسية تحت وطأة الغلاء والوباء ...

كتبت مرتين أعلاه أن مشروع معونة الشتاء كان يدار على مستوى الدولة السورية ، وتوضع فيه الآليات لكي يصل إلى مستحقيه درهم المقل مع دينار المستطيع . وهذا هو مفهوم الحملة : تعويم وتعميم مستوى المشاركة . تأمين الآليات التي تعين المقل ليكون شريكا للمكثر في مشروعات البر . وعقلية " المختار " لا تستطيع أن تحل محل عقلية الدولة ، في إدارة هذه الحملات . والمقصود بالدولة هنا من تولوا أمر الناس من مؤسسات المعارضة .

لا بد من وضع مشروع كلي على مستوى سورية المحررة وسورية المهجرة لتأمين ساعة دفء لطفل صغير أو شيخ كبير . " ليتر مازوت" ، ولكن كيف نجمع ثمن ليتر المازوت وها هنا يكون الإبداع .

أتذكر من أيام طفولتي الأصغر ، في زاوية الشيخ خالد في حي الطبيلين في حلب ، أنه كان إذا دخل الشتاء ، يكلفنا أن يساهم كل واحد منا بقدر كيلو غرام من الفحم ، نحمله من بيوتنا ، يوم كان الفحم معتمد التدفئة الأول .

قالت البدوية التي عضها وبنيها البرد والجوع لعمر : اللهم ما بيننا وبين عمر..

قال لها عمر متعجبا : وما يدري عمرُ بك ؟؟

فالت البدوية وبقولها نقول : يتولى أمرَنا ثم يغفل عنا ..!!

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 901