ولولا .... لحكيت حكاية السهم الذي أراد المعتصم أن يشتري ثوابه ..

واحذروا سوء الفهم وسوء التوظيف

ولو لا مخافة سوء الفهم وسوء التوظيف .. لحكيت لكم حكاية السهم الذي حاول المعتصم أن يشتري ثوابه ، من صاحبه الجندي البسيط بالألوف فأبى المحب العاشق المدافع عن عرض رسول الله أن يبيع ..!!

ومع الأسف فقد أصبحنا في عصر ، لا يكاد بعض المسلمين يميزون فيه بين ما يرد بالقول ، وما يرد بالعصا ، وما يكون في ساحات الحرب ، وما يكون في الشوارع والنوادي والأحياء .

أليس عجيبا أن قريشا العربية كان لها في عقر جاهليتها دارا للندوة تتحاور فيها وتتشاور ، وأن هذه الأمة من محيطها إلى خليجها ، وفي ظل متسلطين أكثرهم قائمقام عند ترامب وماكرون وبوتين ، لا تجد دارا تنتدي فيها بصدق غير صأصأة الذين يصأصئون !!

وكانت جُلّ مناظرات المسلمين في تاريخ حضارتهم مع المخالفين " اليهود والنصارى والمجوس " إنما تتم في المساجد . ويدخل هؤلاء المساجد آمنين ، ويقفون بين المسلمين آمنين ، يشرحون عقائدهم ويذبون عن دينهم .... وأول ما كان ذلك ما فعله نصارى نجران في مسجد الرسول صلى الله وسلم على الرسول الأمين ، وأرادوا الصلاة فصلوا صلاتهم في مسجد الرسول رسولنا الكريم ..

وهل يعقل أن مسلما يقرأ في كتاب ربه ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ) ثم يقوم بمهاجمة متعبد في معبده ، ومصلٍ بل مصلية في كنيسه أو في كنيسته ..!! سجنوا أهل الرشد من أئمة هذه الأمة ، فتعلم الجهلَ جاهلٌ من كبيره فيه !! لعلكم تعقلون !!

وزبدة قول المفسرين في قوله تعالى ولولا دفع الله الناس على ماذكر القرطبي : ولولا إذن الله بالدفع لهدم أهل الشرك - الإلحاد - متعبدات أصحاب العبادات والأديان . وقال ابن القيم في كتاب حقوق الذميين : وعلى المسلمين أن يدافعوا عن متعبدات أهل الكتاب بأنفسهم ..

في ظل حضارة الأسلام ، ودولة الإسلام ألف ابن الرواندي الزنديق كتابيه : التاج والإكليل ، في الطعن على الإسلام ، فلم ترد عليه الدولة المسلمة بعضلاتها كما يفعل ماكرون ولفيفه اليوم ، وكما يفعل من يظن جهلا وحماقة أنه ينتصر لسيدنا رسول الله ..وإنما رد عليه شاعرٌ مثل أبي العلاء المعري - ولا أدري لماذا يصر البعض على اتهام أبي العلاء بالزندقة.. وهو لا أرقى ولا أجمل ؟!! - رد على ابن الرواندي كتابا بكتاب الكثيرون ، وقال أبو العلاء عن كتابه التاج " وأما تاجه فلا يصلح أن يسمى خفا .. وما تاجه إلا أفٍ وتف وجورب وخف " ارجع إلى رسالة الغفران ..

آذانا أصحاب ماكرون برسم فنستطيع أن نؤذيهم بمليار رسم تكون الأجمل رمزا والأصدق تعبيرا ..

وكنت سأحكي لكم حكاية صاحب السهم فترددت ، خوفا أن يفهم منها قاصر أو جاهل تحريضا على عنف ، أو دعوة لما لا يحسن من الأمر ، ولا يتصور من مسلم .. ففي كل ساحة أدوات صراعها ، ولكل ساحة أدوات صراعها ، وإن رجلا يقفز عند كل كلمة أو حدث أو موقف إلى السلاح لخفيفُ الحلم ، ضيق العطن ، طائش الفعل ، لا يدري ما يأتي و لا ما يدع ..

وإذا رويت هذه الحكاية فإنما أرويها ليستمد منها الغافلون عزيمة وغيرة وفقها وعملا زكيا راشد .. وليزداد بروايتها المحبون حبا ينعمون به وينشرونه طيبا يحيط بهم ..

قالوا والقول للمؤرخين ...

 وحاصر المسلمون أيامَ المعتصمِ بالله بن هارون الرشيد ، الخليفة الثامن من بني العباس .. فاتح عمورية ، مدينةً من مدن الروم . وكانت أسوارها عالية ، فطال مكث المسلمون حولها ، وكان في جملة أسوار المدينة برج مرتفع كبير ، وكان علج من الروم ، يقف كل صباح على البرج ، فيسب رسول الله - بأبي هو وأمي - سبا فاحشا ومسيئا ومبتذلا ، فيستثير غيظ المسلمين وحنقهم ، فيرمونه بسهامهم فتقصر دونه ، فيزدادون حنقا وغيظا ، ومروا على ذلك أكثر من شهر على مدى أيام الحصار .. العلج في كل يوم يتمادى ، والمسلمون يزدادون غيظا وحنقا ولا يستطيعون ...

قالوا : وفي يوم تقدم فتى من فتيان المسلمين فشد قوسه ، واقترب من السور قدر ما استطاع ، والعلج يسب ويشتم ،فأوتر الفتى سهمه ، ورمى العلج فأراداه من فوق البرج .. فكان المسلمون وكأنهم في عيد ، وانطلقت من بينهم أصوات التهليل والتكبير ..

وأصبح هذا الفتى وكأنه بطلهم الأول وفارسهم المقدم ، وفرح بذلك المعتصم أمير المؤمنين فرحا عظيما ، فأقبل على الفتى يساومه أن يبيعه ثواب السهم يوم القيامة ، أواضح ما كتبت ؟! أمير المؤمنين يريد أن يشتري ثواب سهم جندي من جنوده رماه في حب رسول الله ودفاعا عن رسول الله، ويعرض على الفتى ويزيد في العرض فيأبى الفتى أن يبيع ...!! لا بالألف ولا بالألوف ...!!

 ثم يعرض المعتصم على الفتى المكافأة... فيأبى الفتى أن يقبل مكافأة على حبه لرسول الله ، ودفاعه عنه ....

فيسأله المعتصم : وأين تعلمت الرمي ؟ فيقول له في دار كذا ، ويذكر مركز تدريب ، كان في الكوفة أو البصرة ، فيأمر المعتصم بشراء الدار ، ووقفها ، والإنفاق عليها ، لتعليم أبناء المسلمين الرمي وتدريبهم عليه ..الرمي وليس كرة القدم وفنون الشقلبة ..

كنت سأحكي لكم القصة بطريقة أجمل وأكمل ، لولا خوفي من توظيف من يحاول أن يعرب الأمر فيعجمه .

ليست أول مرة في تاريخ الإسلام يستُهدف المسلمون ، بل ظل المسلمون عبر تاريخهم مستهدفين . وكانوا دائما ولكل ساحة أدواتها ، ولكل جهاد سلاحه ؛ ، ونرد الكلمة بالكلمة ، ونقرع الحجة بالحجة . ولا يستخفنا ولا يستفزنا الذين لا يوقنون .. وهؤلاء الذين يُهرعون إلى السلاح ، وإلى القتل في الرد على رسم بائس باهت ، وعلى رئيس يتسول أصوات ناخبيه ، هم إلى الخفة والرعونة والطيش والحماقة والجريمة أقرب ..

أيها المسلم : لا ترسل طلقتك حيث يمكنك أن ترسل كلمتك . فكلمتك كعصا موسى تلقف ما يأفكون ... (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 901