المِحَن : كاشفة لمعادن الناس .. أم صانعة لها ؟

قال أحد الشعراء : 

جَزى الله الشدائدَ كلّ خيرٍ     عَرفتُ بها عدوّي ، مِن صَديقي ! 

واضح ، هنا ، أنّ الشدّة ، كشفت للشاعر، أعداءه وأصدقاءه ؛ فهي ، بهذا المعنى : كاشفة لمعادن الناس ! 

وقال أحدهم : الصَديق وقتَ الضيق ! أيّ أنّ الضيق ، يكشف معدن الشخص ! 

ونُسب ، إلى الإمام عليّ قوله :  

إنّ أخاكَ الحقَّ مَن يَجري مَعكْ   ومَن يَضرّ نفسَه ، ليَنفعكْ ! 

وهذا الكلام يبيّن  ، أيضاً ، الأخ الحقيقي ، من الأخ الزائف ! 

أمّا التجريب ، الذي أشار إليه أحد الشعراء ، بقوله :  

لا تَمدحنَّ امرءاً ، حتى تُجرّبَه    ولا تَذمّنّهُ ، من غير تجريب ! 

أمّا هذا التجريب ، فهوكاشف للمعدن ، قبل المحنة ، فهو دليل ، يَسترشد به الباحث عن صديق ، قبل وقوعه في المحنة ! فإذا بيّنت التجربة معدنَه ، كان للباحث خيار، في اتّخاذه صديقاً ، أو في نَبذِه ! 

وقد يكون في قول الآخَر، داعم لتجربة هذا ، مع الناس ؛ إذ قال : 

كذلك دأبيْ ؛ لا أصاحب صاحباً       مِن الناس ، إلاّ خانني وتَغيّرا !  

أمّا الآخر، فتجربته مع الناس ، دفعته إلى اليأس : من مصادقتهم ، أو من اتّخاذهم أخلاّء ؛ إذ وجَد الأشخاص الذين استصفاهم ، واختارهم ، ليكونوا أعواناً له في محنته ، ليسوا مؤهّلين لذلك ، فقال :  

ولمّا صار ودّ الناس خَبّاً         جَزيتُ ،على ابتسام، بابتسامِ 

وصرتُ أشكّ فيمَن أصطفيه    لِعلمي أنّه بعضُ الأنامِ   

وبناء على ماتقدّم ، كله ، سار المثل الدارج بين الناس ، عن الخلّ الوفيّ ؛ إذ قَرنه أحدهم ، بالغول والعنقاء ، وهما مخلوقان أسطوريان ، لا وجود لهما في دنيا الناس! فصار يُضرب المثل بالثلاثة ، معاً ، فيقال : الغول والعنقاء والخلّ الوفيّ!  

أمّا الأبيات الشعرية المتداولة ، التي تنصح بالمحافظة على الصديق ، ولو زلّ أو أخطأ .. فهذه يَنظر أصحابُها ، إلى ماهو مُمكن في حياة الناس ، والقبول به .. ولا يَنظرون إلى الأمانيّ والأحلام !  

ومن الأبيات التي تحضّ ، على التشبّث بالممكن ، في العلاقات البشرية ، قول بعضهم : 

ولستَ بمستبقٍ أخاً لا تَلمّه    على شَعَثٍ ؛ أيُّ الرجال المهذّبُ ! 

وقول بعضهم : 

 إذا كنتَ في كلّ الأمور معاتباً    صديقَكَ ، لمْ تَلقَ الذي لاتُعاتبُهْ 

فعِشْ واحداً ، أو صِلْ أخاكَ ، فإنّه   مُقارفُ ذنبٍ مَرّةً ، ومُجانبُهْ  

إذا أنتَ لمْ تشربْ مِراراً على القَذى   ظمئتَ ، وأيّ الناس تصفو مَشاربُهْ ! 

ويُستخلص ، من سائر ما تقدّم : أنّ المِحَن كاشفة لمعادن الناس ، لاصانعة لها ، وأنّ مصانع الناس ، تكمن في أماكن أخرى.. هي محاضن: التربية ، والتعليم ، والتوجيه، والإرشاد .. ونحوها ! 

وسوم: العدد 902