في الفروق : أي فرق بين القائد الثوري والقائد السلطوي ...

علم دقيق استفدته في حياتي من كتاب جميل عنوانه " أنوار البروق في أنواء الفروق" ، ويعرف اختصارا بكتاب الفروق للإمام القرافي المالكي ، وللمالكية بدائع في مصنفاتهم تدق وتجل . الإمام القرافي من علماء القرن السابع حين نضجت العلوم ، وآتت أكلها ، ولم تحترق ، ويبدأ الكتابَ مؤلفه بالتمثيل : الفرق بين الرواية والشهادة ، أو بين الراوي والشاهد ، ويورد المؤلف فروقا دقيقة جمة ومن خير ما علقته من هذا الفصل منذ خمسين سنة أن المرأة في الإسلام كاملة الأهلية والجدارة للرواية ، عند التحمل وعند الأداء ، فلا تحتاج روايتها إلى من يشفعها ، كما هو الحال عند الشهادة ، بمقتضى الآية ( فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ )

ويفصل المؤلف في ذلك تفصيلا بديعا، ربما نكون أكثر حاجة إليه في هذا العصر .

ومن الذي يلهج به الناس في هذه الأزمنة ، بل لعله من الأنثربولوجيا الإنسانية هو الحديث عن الرؤيا " المنامات " وقرأت منذ زمن رواية مترجمة عن اليابانية فإذا الناس التقليديون في اليابان يظلون يتحدثون عن مناماتهم. ويقسم القرافي الرؤيا إلى ثمانية أصناف ينقل فيها ان سبعة أنواع من الرؤيا لا تعبر ونوع واحد فقط من أنواع الرؤيا يعبر .

وإنما ذكرني بهذا الكتاب خطاب بعض من تسلل إلى مواقع المسئولية في زحمة هذه الثورة ، والتسلل الذي أريد مثل ذاك التسلل الذي يحدث في مباريات كرة القدم ، فيحكم الحكم ببطلان الهدف حين يكون .

وما زلنا نسمع بعض هؤلاء المتسللات والمتسللين يخاطبون الناس على درجات ..

بعضهم على طريقة مساعد قديم في قبو من أقبية بشار أسد ، يريد أن يظهر براعاته الجرمية ،  في جسد مواطن حر ، رغبة أن يرفعه سيده إلى سقف مساعد أول بعد طول أنين وحنين .

وبعضهم يتكلم بطريقة موظف عمومي ، يرمق المواطن بطرف عينه ، وهو ينتظر منه مجرد توقيع ، ويقول له : مر علي بكرة .

وبعضهم يقول أو يكتب : قولوا واختصروا نحن منشغلون بالتعبد بتلاوة ما يرسله إلينا سادتنا في مجلس الكنائس العالمي،  وليس في إضاعة الوقت في قراءة إنشائكم وما فيه من إزعاج .

وبعضهم يرمق الناس من علياء متوهمة ، فيظنهم كما ظنهم سلف له من قبل مجموعة جراثيم ، أو يخلط بين رؤوسهم ورؤوس القرنبيط ..

نحتاج إلى مثل الإمام القرافي يوضح لهؤلاء الناس الفرق بين رئيس يمثل سلطة ، وحمّال عبء يمثل ثورة . وإذا كان لا يليق بوجه الأول أن يفارقه ابتسام ، فإن البسمة الودودة ، من غير تركيب ولا تزوير ، هي كل الجسور التي يملكها الرجل الثاني إلى قلوب هؤلاء الناس .

هؤلاء الناس تركوا ديارهم ودورهم وأموالهم وأهليهم ؛ هربا من متسلط وبحثا عن حقهم في الاحترام .

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 907