سؤال صعب وجواب أصعب !!

هل المجتمع الذي نشأ فيه جيل آبائنا في مطلع القرن العشرين ، وجيلنا في منتصف القرن العشرين ، بالجملة والتفصيل ، هو خير من جيل ختام الألفية أو مطلعها الذي نعايشه مودعين ؛ والسؤال مطروح على كافة المستويات : الدينية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسلوكية ..

ومع كثرة ما أقرأ من تمجيد للماضي ، ومن خشوع في محاريبه ، ومن التغني بالأمجاد ، والبكاء على العظماء ، أملك أنا العبد الفقير الجرأة لأقول : إن مجتمعاتنا تتحرك صعدا إلى الأمام . وقد سمعت ورأيت من الكبار الذين نتمسح بذكراهم اليوم ، عجبا ، وعشت وسط جيل كانت تنتشر فيه أخلاقيات اجتماعية يندى الجبين لها خجلا ..

يا ترى أما زال الأطفال في مجتمعنا يحبون العبث بالمصاب من أصحاب الاحتياجات الخاصة كما كان أبناء جيلنا يفعل ؟؟؟

أتذكرون يوم كانت " القرعة " مرضا شائعا ، ولاسيما بين الأطفال ، فإذا أصيب بها طفل غنى له كل من رآه :

قرعة.. قرعة حنديكة

بدها زيت وكبريتـة

أتذكرون كيف كان يعاني صاحب الإصابة ، من مجتمعه أكثر مما يعاني من إصابته ، ولولا خوفي من جرح شعور بعض الأحباب لأسرفت في ضرب الأمثلة عن كل إصابة وما كان يقال لصاحبها . حتى أطلقوا قولهم كل ذي عاهة جبار . وكان الموقف الاجتماعي العام زيادة التحدي والعبء على المصاب .

على المستوى الاجتماعي أتذكرون يوم كان أبناء المدينة يتفاخرون بالعبث بالقادمين من الريف ، ويوم كان بريم الرجل القادم من الريف مهما كان مقامه عنوان بطولة يتبارى عليها الأطفال وأحيانا الكبار..

وعلى المستوى الديني لو تحدثت لدخلت في الجدار ... وعلى المستوى الفكري حدث عن الخرافة ولا حرج..

وحتى لا نتوه في الجزئيات أستطيع أن أزعم اننا إذا اعتمدنا خطا بيانيا واضحا بدلالة س الزمن ، وص المتغيرات على كافة الصعد بما فيها الأخلاقية العامة بين ١٩٢٠ و٢٠٢٠ سنجد الخط يزحف ولو ببطء إلى العلاء ..

الحديث عن الماضي الجميل هو نوع من عاطفية المتنبي يوم قال

خلقت ألوفا لو رجعت إلى الصبا

لفارقت شيبي موجع القلب باكيا ..

ويدعوني إلى كتابة كل هذا إصرار بعضهم نسبة العقوق إلى هذا الجيل الثائر الجميل .

والالتصاق دائما بحديث الأمس الأجمل ..

ويسألني عن مطرنا الأسود وأقول كان في أفق الماضي غيم أمطرنا بجريرته هذا المطر. وهداك الغيم جاب هذا المطر . غادروا ركايا الماضي واستشرفوا آفاق المستقبل ، فالاستشراف أصبح علما عند الذين يعلمون فيعملون.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 907