«فضيحة بيغاسوس»: إعادة تعريف إسرائيل كدولة مارقة

تتكشّف يوما بعد يوم أبعاد ما سمّي بـ«فضيحة بيغاسوس» بما فيها علاقة مجموعة NSO الخاصة التي صنّعت برنامج التجسس الخطير بوزارة جيش «الدفاع» الإسرائيلي، مما يفرض إعادة النظر عالميا إلى إسرائيل (التي تقاتل منذ تأسيسها لتبدو دولة «طبيعية» ناهيك عن كونها «الديمقراطية الوحيدة في المنطقة») ضمن إطار القلعة العسكرية ـ الأمنيّة، والتجسس، كما هو معلوم، أحد أهم أدوات العمل العسكري والأمني.

تشير المعلومات المتوفرة حتى الآن عن هذه الفضيحة عن وجود قائمة حصلت عليها منظمة «قصص محظورة» Forbidden Stories وهي منظمة صحافية غير ربحية، ومنظمة العفو الدولية، المدافعة عن حقوق الإنسان، وشاركتاها مع 14 مؤسسة صحافية في العالم، وذلك بعد عمل استقصائي شارك فيه أكثر من 80 صحافيا لعدة أشهر.

تضم القائمة ما يقارب خمسين ألف رقم هاتفي لأشخاص تم اختيارهم، منذ عام 2016، كأهداف ممكنين لحكومات ـ زبائن للمجموعة الإسرائيلية، التي تقوم ببيع برامج مراقبة وتنصت وتجسس على الهواتف، تقول الشركة الإسرائيلية المصنعة أنها باعت برنامجها لستين زبونا في أربعين بلدا، وقد استطاع الصحافيون العاملون على مشروع الكشف عن دائرة استهداف بيغاسوس إلى تأكيد شراء هذا البرنامج من عشر دول هي أذربيجان، البحرين، كازاخستان، المكسيك، المغرب، رواندا، السعودية، هنغاريا، الهند والإمارات.

مع انتشار قائمة أسماء الأشخاص المستهدفين قامت الحكومة الإسرائيلية بتأسيس وحدة خاصة للتعامل مع تداعيات الكشف عن علاقة الشركة، وبالتالي إسرائيل، ببيع برنامج تجسس لدول ذات سجلّ سيئ في مجال مطاردة المعارضين واضطهادهم، وهو أمر ليس في صالح «سجل العلاقات العامة» لدولة تسوّق نفسها على أنها ديمقراطية تحارب «الإرهاب» وضمت الوحدة عناصر من وزارات الدفاع والعدل والخارجية، ومن المخابرات العسكرية والموساد، وذلك لـ«التحقيق» في ما إذا كانت الدولة العبرية في حاجة إلى تغيير في سياسات تصدير خبرات التقنيات «الحساسة».

يأتي تشكيل اللجنة بسبب الضغوط الدولية التي نتجت عن تداعيات الكشف عن الفضيحة، ولاحتواء الاتهامات بمسؤولية إسرائيل عن دعم الأنظمة الاستبدادية في العالم، وبالتالي عن الجرائم التي ارتكبتها تلك الأنظمة.

مسألة أخرى ممكن أن تكون الفضيحة قد كشفتها، وهي أن إسرائيل تقوم باستخدام وتوظيف المعلومات التي تقوم تلك الدول و«الزبائن» بجمعها عن الأهداف التي يُراد التجسس عليها، وبذلك لا تقوم تل أبيب بتدعيم مواقع أنظمة القمع ضد شعوبها ومعارضيها، أو بالاستفادة من بيع التقنيات الخطيرة تلك ماليا فحسب، بل إن المشروع برمّته هو مشروع إسرائيل لقيادة شبكة عالمية من الدول القامعة والمستبدة وتوظيف جهد تلك الدول في «المجهود الحربي» الإسرائيلي نفسه، وبذلك يخرج مشروع القمع الإسرائيلي من كونه دولة احتلال واستيطان ضد الفلسطينيين، لتصبح مركزا لقيادة أنظمة الطغيان في العالم ضد كافّة الشعوب.

وسوم: العدد 939