القول في القضايا الملتبسة، ودعوة أهل الرأي والرشد إلى المبادرة إليها

وهذا قول معاد مكرور، وإنما يعاد لأهميته، وإنما يعاد لتخاذل العالق في رقابهم عنه..

وليست كل قضايانا الثورية والوطنية محسومة التصنيف في عمودي أبيض وأسود. وكلما تقدم بنا في فضاء هذه الثورة الزمان تكاثرت حولنا المشتبهات والملتبسات. وزادت حاجتنا إلى أولي الأحلام والنهى ليقولوا وليشوروا، وزادت حاجتنا إلى وجوه الإصلاح بين الناس ليتحملوا ..أربعة آلاف ناقة كانت حمولات حرب داحس والغبراء. وكان الناس في جاهلية.

أكثر النزاعات في المناطق المحررة تنتمي إلى اللون من القضايا التي تلتبس على الناس. وأخطر ما يكون الأمر عندما يظن الكثير من الناس أنهم مؤهلون للقول في قضايا لو عرضت على سيدنا عمر لدعا لشوراها أهل بدر وأصحاب بيعة الرضوان..!!

وأكثر ما يثير حفيظة العقلاء، صمت المطوّق، وكلام الدعي. ويصمت المطوق أحيانا لأنه يظن في صمته نأيا بنفسه عن معترك يكثر فيه القذى والأذى. ولكن الله أخذ الميثاق على أهل العلم والذكر (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) ونحن حين نفتقد الفقيه الحق في الموقف الضنك، فذلك لحسن ظن نكنه في نفوسنا، وليس كما يحاول الشانئون...

في الواقع السوري الساعة العديد من القضايا الملتبسة يختلط في فكفكة عقدها، وبيان وجه الحق فيها الشرعي والحقوقي والمدني والإنساني والثوري..ولكل وجه معيار، والقرار الأخير إنما يكون لمن أدخل كل هذا في حساباته، وربما يضطر المصلح بين الناس أن يتحمل الحمولة ليقضي فيها بما يرضي الله، لا يجافي القانون، ولا يميل على المظلوم ...وأين في هذا المعترك وجوه هؤلاء؟؟

حين تعرض قضية ملكية أرض على قاض عليه أن يقضي فيها بالحق، وبين عينيه قوله تعالى في المتخاصمين (إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا) وعندما يتخذ القاضي قراره فعلى السلطة التنفيذية إنفاذه، وعندما يكون تنفيذ حكم القاضي يتسبب بمفسدة عامة لمجموعة من الناس بأبعادها الإنسانية هنا يأتي دور السادة الحكما الأشراف حاملي الحمولات المصلحين بين الناس، لا يعطلون حكم القضاء، ولكن يتسللون إلى قلب المدعي وعقله، فإن أبى استمهلوه حتى .. ثم ذهبوا يجدون حلولا لضحايا القرار العادل الذي يكاد يعصف بالعشرات من الناس.. وللعقل زكاة ، وللجاه زكاة ، وللمكانة زكاة ، كما للمال زكاة ..

قضية ملتبسة أخرى ..

هذا الجوع الذي بات يعصف بكل السوريين، ويحسب البعض أنه يمكن أن يكون مدخلا لتركيع بشار الأسد. وكنا نسمعهم في الربيع الماركسي في بلادنا يتواصون لا تطعموا الجائع حتى يثور ...!!

أين نحن من هذا الفقه اليوم ؟كيف نتخذ الموقف منه؟ ولا أريد أن أقول حتى لا يرد عليّ من لا يملك للرد زماما، أقول أين قول أهل القول فيه؟ ما سر الصمت؟ وما أبعاده ؟ والأهم من كل ذلك وما هي المصائب المترتب عليه؟؟

كيف نجيب؟  كيف نقول؟ كيف نفهم ؟ كيف نصطف؟ كلها قضايا تحتاج إلى من يبينها للناس ولا يكتمها...ولكنني ما أزال أرى الصمت سيد الموقف. فقد تعلم بعض الناس وعلم أن الصمت من ذهب، وهو في بعض المواطن من فتنة أو من فوضى أو من نار ...

اللهم علمنا ما ينفعنا..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 967