سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقيم دولة بعد طرد يهود المدينة بسبب خيانتهم للعهود

أنهى القارىء المتتبّع قراءة الفصل الثامن، من كتاب: اتيين دينيه وسليمان بن إبراهيم: "محمد رسول الله"، ترجمة: عبد الحليم محمود، و محمد عبد الحليم، الطبعة الثّالثة، دار المعارف، القاهرة، مصر، من 369 صفحة. فوقف على النقاط التّالية:

المتتبّع للمعاهدات التي أبرمها سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، مع قريش ويهود المدينة، سيقف على حقيقة مفادها، أنّ خيانة اليهود وخيانة كفار قريش للمعاهدات، كانت عاملا من عوامل النصر، والفتح. كيف ذلك؟

أبرم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم معاهدات مع يهود المدينة. وأبرمها من منطلق قوّة وليس ضعف. وكان يهود المدينة يومها مسالمين، ولم يكونوا أعداء.  

في المقابل، خان يهود المدينة، العهود والمواثيق المبرمة مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، بـ: كشف عورة المسلمات، وقتل مسلم غدرا سعى للدفاع عن عرضه، والتعاون مع الأعداء كفار قريش، وبثّ اليأس داخل صفوف جيش المسلمين، واليأس بين صفوف المسلمين بعد انتصاراتهم، والتشفي في المسلمين وجيش المسلمين بعد العناء الذي تلقوه في غزوة أحد، والسعي لقتل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وهو رئيس الدولة، وإمام المسلمين.

جهّز سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، جيشا لطرد اليهود الخائنين من المدينة نتيجة خيانة اليهود. مايعني أنّ خيانة اليهود للعهود المبرمة، ساهمت وبشكل كبير في انتصار المسلمين، وطرد اليهود الخائنين من المدينة، وحماية ظهر المسلمين، وتقوية المسلمين، وفتح المجال للأمن والاستقرار، وفتح مكة، والفتوحات الإسلامية القادمة.

أبرم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم معاهدة صلح الحديبية مع كفار قريش، من منطلق قوّة. ولو أنّ كفار قريش كانوا يرونها -في البداية-، على أنّها نصرا لهم، وكان سيّدنا عمر بن الخطاب، وبعض الصحابة، يرونها هزيمة لهم.

وقريش هي التي طلبت إبرام المعاهدة، وليس سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. مايدلّ على أنّ توقيع المعاهدة كان من منطلق قوّة، فرضها سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

 خانت قريش المعاهدة المبرمة مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فكانت النتيجة أن جهّز سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم جيشا من نحو 10000 عشرة آلاف مقاتل، لاقبل لقريش به، وتمّ فتح مكّة، وتحقيق النصر العظيم.

القاعدة في ذلك، أنّ القوي الذي يبرم المعاهدات من منطلق قوّة، هو القادر على حمايتها، وفرض بنودها حين تنهك المعاهدة، ويتعرّض للخيانة. وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أبرم المعاهدات من منطلق قوّة، وخاض الحرب من منطلق قوّة، حين تعرّض لخيانة اليهود. والفتوحات، واستقرار، وأمن الدولة والمجتمع، بعد القضاء على الخونة من اليهود، ووضع حدّ لتآمرهم على سلامة الدولة والمجتمع، والتعامل مع الخونة من قريش بقوّة، وسرعة، ودون تردّد.

أبرم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أوّلاّ المعاهدة مع قريش في صلح الحديبية، ثمّ أبرم ثانيا المعاهدة مع يهود المدينة، ثمّ شرع في الاتّصال بالعالم الخارجي، حين أرسل الرسائل والرسل للملوك. مايعني، أنّ تقوية الداخل مقدّم على غيره، ولذلك بدأ بإبرام المعاهدة مع قريش قبل الشروع في مواجهة غدر وخيانة يهود المدينة. وحين انتهى من القضاء على يهود المدينة بسبب غدرهم وخيانتهم، شرع في الفتوحات، والاتّصال بالعالم الخارجي، لأنّه لايمكن بناء التوغّل نحو العالم الخارجي، وإقامة علاقات خارجية قويّة، دون تقوية الداخل، والقضاء على خيانة وغدر الداخل، المتمثّلة في القضاء على غدر خيانة يهود المدينة، وتأمين الداخل من خيانة الداخل.

تمّت الخطوات بالشكل التّلي: الحديبية أوّلا، ثمّ طرد اليهود الخونة، ثمّ الرسائل للملوك. مايعني، لابدّ من إصلاح مابين الأخ قبل الانتقال لطرد الصهاينة، وحين يتم استرداد الأرض المغصوبة من الصهاينة، يتم حينها التحوّل للخارج، من حيث العلاقات، وتقويتها، وترسيخها، وتنويعها، وما كان لفتح مكة أن يتحقّق، إلاّ بعد طرد اليهود من المدينة، بسبب خياناته للعهود، وغدرهم للمسلمين من المسلمين.

مادام الصهاينة يحتلون أرضنا، ويعقدون العلاقات مع العرب، والمسلمين الأعاجم، وهم الذين خانوا العهود وما زالو على عهدهم، فلا أمل من أمن، واستقرار الدولة والمجتمع، إلاّ باجتثاث المحتل الخائن، وهذا مافعله سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم مع الخونة اليهود، والخونة العرب من قريش.

وسوم: العدد 971