كليمات عن دعوة الإخوان المسلمين
وجود الإخوان المسلمين بوصفهم أفقا وحالة وفكرا ومشروعا.. تجاوز الحظر والإباحة…
وجود الإخوان المسلمين بوصفهم تنظيما لم يعد له الأهمية نفسها؛ بل أقول ولعله ناء بالفكرة والمشروع أقوام، وجدوا أن التعلق بالماضي أسهل من صناعة الحاضر والتطلع إلى المستقبل. قد يحزنني أن أقول وصار المشروع عند بعضهم وبعضهن: لحية وبرقعا، وقبعة ولونا..!! باانكفاءة إلى ما أراد حسن البنا ومصطفى السباعي، استصحابه، وليس الاقتصار عليه، والانشغال أو التشاغل به.. !!
في سياق زمني متصل ربما صار الخارجون من عباءة الإخوان من جماعات وأفراد أكثر حضورا، وأكبر أثرا، وأرشق حركة..وحالة التشظي لم يعد ينفع معها الإنكار. وتتشظى الجماعات عندما يكون سلطان النفوس أكبر من سلطان القلوب والعقول الأفكار…
أتحدث عن الخارجين من عباءة الإخوان بأفكارهم ومناهجهم وطرائقهم وأساليبهم؛ وبقي أن أنبه أن لا مسؤولية للإخوان المسلمين عن الخارجين من عباءتهم. وأن هذا الوصف "الخارجون من عباءة الإخوان المسلمين" لا يحمل فيما أكتب مدحا ولا قدحا. بل هذا حراك تاريخي "هيغلي" في سيرورة طبيعية في عالم الأفكار والحركات..فالنقيض الوجودي ليس أقل أهمية!!
الإمام أبو الحسن الأشعري في كتابه الأشهر والأوثق "مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين" ربما أشّر على مئات المقالات، أو المشارب أو المذاهب، متجسدة في القائلين بها؛ وقال: "كل هؤلاء مسلمون، ليس بمعنى أنهم يوم القيامة ناجون."
وهي عبارة سياسية دقيقة.
تستحق أن يتأملها المتأملون.
إن أكبر جناية سياسية جناها حزب البعث العربي الاشتراكي على سورية، وكرسها حافظ الأسد؛ هي إخراج القيادات السياسية التاريخية العاقلة والرشيدة والمخضرمة من المشهد الجغرافي السوري، هذه القيادات مهما كان شأنها، فقد كانت هي التي تضبط بخبرتها وحكمتها وحسن تأتيها، تضبط الفوضى، وكما قال الأول: لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم.
كل الحكام العقلاء ينشدون لحكمهم الاستقرار، إلا حافظ وبشار الأسد فقد كانت الرغبة في الانتقام عندهم أكبر، أو هكذا أثبت التاريخ…
أتذكر من أواخر الستينات الوصايا التي كانت تصلنا من كبراء السياسيين السوريين المهجرين، كلها تنصح بالتعقل والحكمة والريث والانضباط والبعد عن المغامرات والمهاترات والعمل تحت سقف الواقع…لعل ذلك كان لا يقع في سياق الدور المرسوم لحافظ أسد ولا لوريثه من بعده.. نحن لا نعرف بماذا أوصت مادلين أولبريت بشار الأسد يوم حضرت لتكريسه رئيسا، وقالت: الرئيس يعرف ما يجب عليه أن يفعل… وأظنه فعل، في صيدنايا وأخواتها ما طلب منه..
ليس على الإخوان المسلمين أن يخافوا على دعوتهم، ولا على فكرتهم، بعد اليوم،فهم قد عبروا قنطرة الاختبار الوجودي، حتى أصبح ينسب إليهم كل من أمل وكل من حلم وكل من تشهد أو صلى أو صام.. ينسب إليهم ولو رغم أنفه..أو أنفها..
الأشخاص يموتون، والأطر تتجدد، والأفكار مثل النور ينتشر، ومثل العطر تضوع ولا تضيع…
لقد قبل الشهيد سيد قطب رحمه الله تعالى، أن يعلق على المشنقة، ورفض أن يكتب استعطافا أو اعتذارا لتبقى عرائس أفكاره "في ظلال القرآن" و "خصائص التصور الإسلامي"، و "السلام العالمي والإسلام" و "العدالة الاجتماعية في الإسلام" منارا… وما زالت..
وفوق كل ذلك، وقبل كل ذلك، سيبقى القرآن الكريم بين قوسي "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" هو العاصم والمستعصم.
إن أكبر مفصل قدمه فكر البنا رحمه الله تعالى، وعلمته مدرسة الإخوان المسلمين، وعملت على تجسيده في منهج حي هو: كيف نعيش الإسلام، وليس كيف عاشه السابقون…
السلف الصالحون عاشوا عصرهم، ونحن علينا أن نعيش على نفس القواعد عصرنا، ولكن ليس بنفس الطرائق ولا بنفس الأساليب، وهذا هو معنى تجديد "أمر الدين" تجديد أمر الدين، لا يعني تجديد الدين. وعلى المسلمين حين يتحدثون عن أمر الدين أن يتذكروا (وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ) و(وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)
وربما هذه نقطة مفصلية أخشى أنها قد كرّ بها على دعوة الإسلام المتجاوزون!! نذكر المشروع الإسلامي في جيلنا فننظر إلى أفقنا الأعلى في ميادين الخلافة في الأرض، وآفاق (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) (وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) وفي إطار (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ)
الخلافة في الأرض هي عهد الله لآدم، بمعنى أنها كذلك لكل مكلف من ذريته، الخلافة السياسية التي يلهج بها اللاهجون هي من بعض "أمر الدين" في عنوانها وفي شكلها.. مع وحدة الأمانة الني يجب أن تؤدى لأهلها (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ..)
وسوم: العدد 1124