الخوارج تاريخ وعقيدة 23

محمد فاروق الإمام

الخوارج تاريخ وعقيدة

الحلقة (23)

الرد على ضلالات الخوارج

محمد فاروق الإمام

[email protected]

لقد تصدى للخوارج كثير من علماء وفقهاء المسلمين داحضين أباطيلهم وبدعهم وضلالاتهم، التي أرادوا من خلالها الانتقاص من هذا الدين العظيم، والعبث بأركانه، والتلاعب بعقول الجهلة وأهل الهوى ممن اعتنقوه عن قناعة أو تقليد أو تقية، مركزين على الموالي والعبيد والأعراب، الذين كان جلهم ينتمون إلى أعراق غير عربية، وكان إسلامهم لدوافع دنيوية، فكانوا ينضمون لكل ناعق يبغي هذا الدين أو شق صف السلمين.

ونسوق هنا قصة أحد الملوك من بني بويه الذين حكموا العراق ردحا من الزمن، وكان رافضيا متشيعا عن غير علم. تقول الرواية: ولما كان ثالث عشر ربيع الأول من سنة (356ه/967م) توفي (أبو الحسن أحمد بن بويه الديلمي) الذي أظهر الرفض، ويقال له معز الدولة، فصار لا يثبت في معدته شيء بالكلية، فلما أحس بالموت أظهر التوبة وأناب إلى الله عز وجل، ورد كثيرا من المظالم، وتصدق بكثير من ماله، وأعتق طائفة كبيرة من مماليكه، وعهد بالأمر إلى ولده بختيار عز الدولة، وقد اجتمع ببعض العلماء فكلمه في السنة وأخبره أن عليا رضي الله عنه زوج ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، فقال الملك: والله ما سمعت بهذا قط، ورجع إلى السنة ومتابعتها، ولما حضر وقت الصلاة خرج عنه ذلك الرجل العالم، فقال له معز الدولة: إلى أين تذهب؟ فقال: إلى الصلاة. فقال له: ألا تصلي ههنا ؟ قال: لا، قال: ولم ؟ قال: لأن دارك مغصوبة.

قلنا أن كثيرا من العلماء والفقهاء قد تصدوا لهذه الفئة الضالة الباغية، ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر بعض هؤلاء العلماء الأجلاء العاملين:

وكان في مقدمة هؤلاء العلماء رحمهم الله: الإمام أحمد بن تيمية في معظم كتبه وفتاويه الشهيرة، والإمام أبو حامد الغزالي في كتابه (فضائح الباطنية)، والإمام ابن حزم الظاهري الذي صنف فيهم كتابه الشهير (الفصل في الملل والأهواء والنحل)، والعالم أبو الفتح الشهرستاني الذي وضع فيهم كتابه (الملل والنحل).

والعالم عبد القاهر البغدادي الذي خص كتابه (الفرق بين الفرق) بالتكلم عنهم. وهذا غيض من فيض، فإن هناك عشرات العلماء والمؤرخين الذين نقلوا لنا عبر مؤلفاتهم قصة نشأتهم، وسيرة حياة أمرائهم وأئمتهم.

ونحن هنا في هذا السياق - لتمام الفائدة - نعتمد بعض ردود هؤلاء الفقهاء على ضلالات فرق الخوارج وزيف معتقداتهم.

لقد قالت الأزارقة - وهي كبرى فرقهم -: إن أطفال المشركين في النار. وأنه يوقد لهم يوم القيامة نار ويؤمرون باقتحامها، فمن دخلها منهم دخل الجنة، ومن لم يدخلها منهم أدخل النار.

وقد احتج الأزارقة بقولهم هذا بالآية الكريمة: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدون إلا فاجرا كفارا).

ونوح عليه السلام في طلبه هذا من ربه يقصد كفار قومه ووقته الذين كانوا على الأرض حينئذ، وهذا إبراهيم عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم، كان أبوهما كافرين مشركين، والرسول عليه الصلاة والسلام قال: "أوليس خياركم أولاد المشركين، ما من مولود يولد إلا على فطرة الإسلام حتى يعرب عن لسانه، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه". أوليس آباء الأزارقة مشركين..!

وقال صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الملة حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ويشركانه".

وأما من قال منهم: إن الأطفال يعذبون بعذاب آبائهم فهذا باطل، لأن الله تعالى يقول: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تذر وازرة وزر أخرى).

وعن قولهم: إنه توقد لهم نار فباطل ما يدعون، فقد قال عز وجل: (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم). وهذا يعني أن الله فطر الناس على الإيمان وأن الإيمان هو صبغة الله تعالى.

وقال عز وجل أيضا: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى).

وقال صلى الله عليه وسلم عن ربه: "خلقت عبادي حنفاء كلهم فاجتالتهم الشياطين عن دينهم". وهذا يدل على أن كل من مات دون أن تغويه الشياطين عن دينه فقد مات حنيفا مسلما. وأن الأولاد إذا ماتوا قبل أن يبلغوا فهم في الجنة سواء كانوا من أطفال المسلمين أو المشركين.