التوريث : المغزى والجريمة..

التوريث : المغزى والجريمة..

عقاب يحيى

زمااان يوم كان الطاغية الأكبر يتجلبب بالبساطة، والفقر، والفغلاحية حتى يتصور من يراه ويقابله كأنه جاء التو من قرية محرومة، تحلم برغيف الخبز الأبيض كي تصنع منه" سندويشة" بالرغيف القروي.. وأحاديثه المطولة عن ذكرياته القروية، ونضالاته الخارقة..

ـ وعلى صعيد البعث كان يُظهر أنه رجل مبادئ لا يعرف الإغواء ويعاف مغانم السلطة ..

ـ في خبثه المبطن تبين لاحقاً أنه يضع اقدامه، وبعض أصابعه في جميع محاولات الانقلاب.. إن نجحت يكون من ابطالها، وإن فشلت يعلن الحرب عليها.. كما كان حاله في 23 شباط 1966.. حين أظهر " عزوفاً" عن تولي وزارة الدفاع.. فجاءت تسميته وزيراً للدفاع بالوكالة.. لكن، وهنا يكمن بعض مشروعه .. أصرّ على أن يبقى قائداً لسلاح الطيران والدفاع الجوي. وفي حركة سليم حاطوم / 8 أيلول 1966/ تدل المعلومات على أنه كان على تواصل معها، وحين أخفقت المحاولة هدد حاطوم بتدمير السويداء بالطيران ما لم يفرج عن الأمين العام والأمين العام المساعد للحزب.. كي يظهر بطلاً منقذاً..

ـ ما كان يتصور أحد أن ذلك " البسيط" الذي يدوّخ بالحديث عن الفقراء والمبادئ يحمل في داخله مشروعاً نرجسياً رهيباً، وان التوريث جزء صميم من ذلك المشروع، وأخطأ الكثير من رفاقه، ومن عاشوا معه في القيادة بتقييمه، ومعرفة دواخله، فكان شيه الإجماع بينهم على أنه محدود الثقافة والإمكانات.. وأنه لن يستمر طويلاً..ـ بعد الانقلاب. وحين كانت تكبر ظاهرة شقيقه رفعت الأسد بكل البلطجة والتجاوزات.. المساعد في الأمن العام الذي دخل الكلية الحربية.. تلك الدورة المحظوظة بسببه : اختصاراً لمدتها، وللترقيات الاستثنائية بعدها.. ما ظن أحد أن هذا الطائفي المتغول، والمبطن يحمل في صلبه ذهنية الإمبراطور، والمستبد، والأوحد، والنرجسي، والدموي، والحاقد، والطائفي، وانه مستعد للمقايضة بكل شيء ثمناً لما يخطط ويريد..

ـ كبرت ظاهرة رفعت السد وصار طاغوتاً كبيراً، وباتت سرايا دفاعه أهم من أي قطعة في الجيش.. وحصل على رتبة دكتوراه من الاتحاد السوفياتي، ودخل القيادة القطرية، وعيّن نائباً للرئيس.. اي القوة الحاسمة.. التي تهابها جميع الأطراف،  والحامي الشرس الذي يمارس كل الموبقات علانية، ثم يتحول إلى الجانب المدني لإقامة تنظيم خاص بالخريجين، خاصة من البلدان الشرقية الذين كانوا في أغلبيتهم ينتمون للطائفة العلوية، وفرضهم في مواقع مهمة في معظم المؤسسات والمفاصل ,, ومجلة تستقطب كبار المرتزقة من اصحاب الشهادات العالية .. وحركة دائبة في جميع المجالات، بما فيها دعم الجوامع، وإرسال المئات للحج على نفقته.. وكثير.. من فيضه المنهوب..

ـ كبرت ظاهرة رفعت الأسد.. صاحب دعوة تدمير حماة وتحويلها غلى سهول لزراعة البطاكا.. وحين أصيب الطاغية الأكبر بجلطة انقض ليكون البديل..فأحدث غرباكاً كبيراً لمشروع الطاغية يهدد بحرب بين مراكز القرار.. فكان إبعاده.. ولو رسمياً.. كي يسافر ويشغل أموال العائلة.. ثم محاصرته بحدود المطلوب ..

ـ وكان باسل، الولد الأكبر بين الصبيان.. الذي تشرّب كثيراً من قسوة الأب وطبعه.. يعدّ على نار حامية..فبات بزمن قصير القوة المهابة.. والرقم الصعب.. وانتشرت قصصه وحكايات البطولة عنه، وفروسيته، وعملقة تصرفاته في كل مجال.. ميداناً خصباً للحكايا الشعبية، وروايات المثقفين المبرمجين.. وربما دخل ميدان موضوعات المسلسلات وهي تشهد نموها وانتشارها كبطل من زمان غابر.. لكنه يحمل الحداثة..

ـ مات باسل في حادث قيل الكثير عنه..وعما كان يحمله من وثائق في رحلته لألمانيا التي لم تكتمل.. وجاء الطاغية ببشار.. الولد العادي، الذي عاني أمراضاً بالولادة.. والذي لا يتمتع بمواصفات الطاغية من حيث الدهاء، والحيلة، والقدرات.. فوضع في فرن التحضير السريع.. كي يهشم الطاغية ما تبقى من مفهوم الدولة والجمهورية، ويضمن قبل وفاته استمرار مملكته بالطريقة، والجدران التي بناها..

ـ وجاء التوريث والوريث كذبة كبيرة يمررونها بخطاب قسم لا قسم له.. كي يخدعوا البعض ببعض الوعود.. بينما كان الوريث يواصل تنفيذ الوصية بروحية الأبله، الحاقد، المستعد للاستنجاد بإيران وغيرها كي ترتفع صوره؟؟" زعيماً" جديداً يضاهي ما ناله الوالد من ألقاب التزييف والنفاق..

ـ كان السؤال الكبير الذي يحتاج إلى إجابة واضحة ترتب كثير النتائج : لمَ التوريث والإصرار عليه ؟؟؟ وهناك كذبة كبيرة اسمها حزب مليوني.. وهناك دجل بوجود قيادات ومؤسسات.. وهياكل.. وشخصيات وأجهزة أمنية وعسكر كبار مثقلين بالنياشين الخلبية والتنكية ؟..

ـ هل الأمر يتعلق بنرجسية فردية سجنتها السلطة والامتيازات، وارعبتها إمكانية فتح ملفاتها النجسة، وثرواتها المنهوبة؟.. أم له علاقة بمشروع يتجاوز ذلك إلى مشروع فئوي يرتبط بمشروع غيران، ويلتقي مع تصورات مخيفة عن قادم يخطط له ؟؟..

ـ ما يجري في سورية اليوم، وعلى امتداد الثورة السورية يكشف جانباً من هوية ذلك المشروع، ويجيب عن بعض السؤال في كنه التوريث وغاياته..