وقف نزيف الهجرة يكون بالعودة المنظمة إلى الداخل

وقف نزيف الهجرة

يكون بالعودة المنظمة إلى الداخل

عقاب يحيى

 أعرف  أنه لا يحق لي أنا المقيم في الخارج منذ عقود ثلاث ونيّف أن أزاود على غيري فأطلب منهم عدم الخروج من الميدان.. لأن الأصل هناك ..ونحن تتمة.. مهما كان الدور، ومهما وضعتنا الظروف  في أمكنة متصدرة ..

ـ أذكر.. أياااام  زمان.. يوم كنت مطارداً لسنوات نظرة الداخل لمن هم في الخارج، والتي  غالباَ ما تكون غير موضوعية، ومبالغ فيها.. حيث يتصور العديد أن الذي في الخارج مرتاح، وينعم بالثراء والرفاه والنعم، ويسكن الفيلات، ويملك السيارات، وأنه بعيد جداً عن الأرض ولا يعرف الذي يجري.. ولم يشقَ، أو يعاني.....إلخ ..وأن من في الداخل هم الأساس، وهم الأكثر التصاقاً بالواقع، ووعياً وتضحيات، ومعرفة.. وإلخ ..

ـ وعشنا الغربة قسراً، والغربة بعض اشتلاع، والغربة بعاد، ومرار، خصوصاً إذا ما ترافقت بمكملاتها : بلد الاغتراب ـ الوضع المادي ـ وفي الأساس من ذلك : موقع الهدف، والحلم من التحقيق، حتى إذا ما نأى، أو فرّ من بين الأصابع، والعيون، ونحن نحاول التمسك به بالدموع، والمكابرة، أو بالصمت والتكوّر.. حلّ ذلك السكون السديمي المترافق مع الكآبة والقلق.. فتكشّر الغربة ـ حينها ـ عن كل فجورها، وأنيابها النهّاشة.. وقد تأكل كثيرين، أو تذهب بهم إلى وديان سحيق4ة.. ليصبحوا مجرد جثث مرمية في قاع سحيق، او عبر إدمان اجترار الذكريات.. والعيش عليها كشيء من ماض يصبح أبعد وابعد عن التقبل، والحياة، ويضع صاحبه في الماضوية دون حاضر ومستقبل ....

                                                    *****

وانتعشنا بانفجار الثورة :خزين السوري المتراكم . توقه وعشقه للحرية والتعبير، والفضاءات المفتوحة.. وصعد جيل جديد مسلح بوعي مختلف يقود الخطوات والمرحلة بكثير من المهارة، والتطور المتناسب مع معطيات عصرنا.. ورغم أنهم لم يكونوا قيادة واحدة، ولم يجتمعوا كما هو مألوف القيادات.. إلا أنهم غرسوا افكار الحرية وبلوروا فلسفة الثورة بتلك الجمل القليلة التي أطلقوها فباتت ديدن الشعب..

ـ النظام الأمني الخبيث كان يدرك أهميتهم، والدور الذي يقومون به فعمد إلى تصفية كثيرهم، وإلى اعتقال الآلاف، وتابع ذلك بالرعيل الثاني وحتى الثالث.. كي يفرّغ الثورة من ناشطيها الأوعى، ويصدّر لها مشكلة عويصة ظهرت على مدار الأيام في تولي خليط من الشباب ـ في مقتبل العمر ـ مهام القيادة سدّاً للنقص، وتعويضاً عن الشهداء والمفقودين والمعتقلين.. بنما قام الكبار الذين التحقوا بالثورة، واندمجوا فيها بدور مهم في جسر الهوة، ونقل خبراتهم وتجاربهم.. والعمل على تغيير الصورة التي انتشرت بداية، وعبر الأشهر الأولى حول انتقاد المعارضة التقليدية وفشلها، وحول التحلق عند الذات، وعدم الاعتراف بتراكم النضالات، وبجهد أجيال متعاقبة واجهت الطغمة وضحّت بالكثير لأجل الديمقراطية .. بل وبعضهم كان يرفض التعاطي بالسياسة انطلاقاً من تصور عفوي بأن الثورة لا تعترف بالسياسة، وأنها نقيض لها.. وبذهن هؤلاء أن السياسة مراوغة ومناورة ونفاق وانتهازية.. وإلخ ..

                                                      ***

نجح النظام الفئوي في تصفية عديد رموز وناشطي الثورة، أو في إبعادهم عبر الاعتقال المميت، وشجّع بالوقت نفسه عمليات الخروج والنزوح.. فصارت ظاهرة..ملفتة أشبه بالنزيف المفتوح. ومع تصاعد حرب الإبادة، وتدمير المدن والمناطق على رؤوس أصحابها وبطريقة جماعية عبر قصف الطيران والمدفعية وصواريخ سكود وغيرها، وفقدان الأمان، والخوف على الحياة، وعمليات القنص والتصفية المنهجة.. فتحت كل المصاريع لنزوح آلاف، بله ملايين السوريين داخلياً، وإلى الخارج.. وحدوث فراغ كبير في الداخل للناشطين والفاعلين.. بما يطرح اليوم أسئلة كثيرة عن الذي يجري، وعن ضرورة التفكير بطريقة عملية لعودة الناشطين والفعاليات السياسية والاجتماعية إلى ميادين العمل .

                                                    ***

إن وجود مناطق "محررة" واسعة، ووجود وسائل للدخول إلى البلد تملي علينا وضع الخطط المنظمة لعودة القادرين على العمل في الداخل، وترتيب زيارات ميدانية طويلة من أعضاء الإئتلاف، وغيره من التشكيلات السياسية والمدنية للإقامة المتتابعة في تلك المناطق "المحررة" وغيرها من مناطق بلدنا الحبيب.. لأن هذا النزيف الحاصلا في الإطارات والناشطين مرعب، ومؤثر جداً..

ـ الإئتلاف الوطني مدعو لوضع خطة عمل لأعضائه ومكاتبه ومؤسساته كي تتواصل مباشرة مع الأرض عبر التواجد، ولو المؤقت، المتتالي فيها ..