مداخلة مع نعوم تشومسكي

ابو جلال

في التحليل السياسي كثير من الأحداث تقرأ عكس، وكثير من التحليلات ـ على حد قول علماء السياسة أنفسهم ـ مغرضة .

وبغض النظر عن أن للمفكر اليهودي نعوم تشومسكي أغراضاً أخرى من تعليله للعداء الإماراتي بأنه اقتصادي كإخفاء الهوية الدينية (المذهبية.. الأيدلوجية ) عن الصراع الدائر الآن بين النظم المحافظة (الملكية الخليجية تحديداً)، والنظم الحديثة التي أفرزتها الثورات ذات الصبغة الدينية وخاصة في مصر أم لا؟ فإنه ما أصاب في تحليله

وإن تصديق المفكر اليهودي تشومسكي يخفي قضية الصراع الحقيقية بين "النظم المحافظة" يمثلهم الإمارات والنظام المصري الجديد.!!

ودعونا نفند ما ذهب إليه تشومسكي ونبين خطؤه، ثم نبين وجهة النظر التي تبدو أنها أقرب لتحليل الأحداث

الاقتصاد الخدمي أو الاستخراجي الأولي[المبني على تصدير المواد الخام، ويسمى الريعي، وهو اقتصاد أغلب الدول العربية وخاصة دول الخليج] لا يتضرر من مشروع قناة السويس، ذلك أن موانئ الإمارات لتصدير الطاقة من الخليج للقوى الاقتصادية في آسيا (كوريا، والصين، وماليزيا، والهند)، ولا يقتصر تصدير الطاقة الخليجية على موانئ الإمارات؛ بل تصدر الطاقة الخليجية (بترو وغاز) من البحر الأحمر (ينبع الصناعية). والمشروع الأمريكي الجديد لضمان عدم تأثير سيطرة إيران أو المجاهدين في القرن الأفريقي (الصومال) على الخليج العربي والبحر الأحمر هو مشروع "خليج غنيا"، وملخصه: مد أنابيب البترول من غرب السعودية (ينبع الصناعية) إلى السودان ثم وسط أفريقيا إلى خليج غينيا (وسط أفريقيا على ساحل المحيط)، وكذا بترول جنوب أفريقيا ابتداءً من أنجولا، وكذا بترول جنوب السودان (ولم يتم للآن). فبدهي أن بترول الخليج لن يتم تصديره من قناة السويس لشرق أسيا بعد إقامة مشروع قناة السويس، وبالتالي تتوقف موانئ الإمارات وغيرها كما يفهم من كلام الأستاذ "نعوم". 

والصناعات التحويلية التي تأتي إلى موانئ الإمارات من شرق وشمال ووسط أسيا، وخاصة كوريا الجنوبية [توجد كثافة في التعامل الاقتصادي بين الإمارات وكوريا الجنوبية تحديداً ]، لا تتجاوز الإمارات، فالبضائع لا تمر من الإمارات إلى أمكنة أخرى.

فموانئ الإمارات لن يتم الاستعاضة عنها أبداً بموانئ قناة السويس لا في تصدير الطاقة، ولا في استيراد الصناعات التحويلية القادمة من القوى الاقتصادية الأسيوية وخاصة كوريا.

كما أن مشروع قناة السويس الجديد ليس ميناء للاستيراد والتصدير فحسب. بل يوجد توجه داخل مصر لإحداث تغيير استراتيجي في السياسة الاقتصادية، بحيث تصبح مصر مصدراً.. أو منتجاً للسلع التحويلية أو مستقبلا لتكنولوجيا تصنع على أرضها وتصدر لمن حولها....

الصراع ليس مع الإمارات، وإنما تصطف "الكيانات الملكية" خلف الإمارات، كما اصطفت قبلُ خلف السعودية، والسبب أيدولوجي ... أن تهب رياح الثورة عندهم... السبب أن يتم تعميم نموذج العدالة الاجتماعية ويكون الرئيس محاسباً يقول له : من أين لك هذا؟

ثم يحاسب حكام الإمارات ومن حولهم

إنها حالة من الصراع بين النظم ... وقضية النظم .. أو الصراع من أجل الحفاظ على طبيعة النظام هي قضية الصراع الأولى بين الدول العربية... يحتل الصراع على النظم (سواء أكانت تقدمية أو رجعية ـ كما يسمون بعضهم ) الصدارة في قضايا الصراع .... بل في كل زمان ومكان قضية الصراع الأولى (وليست الوحيدة) هي الحفاظ على النظام. وهنا مزيد بيان من الكتاب والسنة