مدنية الدولة خط أحمر أم رمادي

علاء الدين العرابي

مدنية الدولة خط أحمر أم رمادي

علاء الدين العرابي

عضو رابطة الإسلام العالمية

[email protected]

" مدنية الدولة خط أحمر " عبارة يتم تداولها على مستوى النخب العلمانية ، وقد استدعوها من خارج السياق لتكون سلاح في غير ما معركة ، والحقيقة أن هذه العبارة كلمة حق يراد بها باطل ، فأصحابها  يتخفون وراء هدف واضح وصريح ؛ وهو السعي بكل قوة لجعل مصر دولة علمانية ، أو للمحافظة على مكتسبات العلمانية في مصر عبر العقود الماضية ، ومن أراد شواهد على ذلك فليفتح أي فضائية ويستمع إلى لغة أصحاب هذه العبارة التي تؤكد على علمانية الدولة

 وخير مثال على ذلك الحرب المعلنة على الجمعية التأسيسية ، والهدف منها نزع الهوية الإسلامية عن مصر بحجة أن الدستور عقد اجتماعي مدني بين أفراد الشعب ولا يجوز إقحام الدين فيه ، وينسون أن الشريعة الإسلامية قد حددت ملامح هذا العقد بدقة حتى مع المختلفين في العقيدة من أصحاب الوطن الواحد 

، وإذا أتينا للمضمون فنجد أن هؤلاء يحاربون كل عبارة تشير إلى أحكام الشريعة ، كالمادة المتعلقة بالمرأة ومساواتها بالرجل والتي تنتهي بعبارة " بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية "

   والمعركة الدائرة في مصر الآن ليست معركة سياسية في مناخ ديمقراطي جديد ، ولكنها معركة هوية بين تيار إسلامي ، وتيار علماني يتستر وراء شعار مدنية الدولة ، والذي يقرأ المشهد السياسي في مصر الآن يجده كما يلي :

·        رئيس منتخب ينتمي إلى التيار الإسلامي وقد جاء بقواعد الديمقراطية التي ينادي بها أصحاب مصطلح الدولة المدنية ، هذا الرئيس يحاول أن ينتزع شرعيته في جو إعلامي يغلب عليه الشحن ضد كل ما هو إسلامي ، ويحاول أن يدفع بشبهة التصاقه بتياره الذي ينتمي إليه بأفعال وليس أقوال ، وكأن هذا الانتماء وصمة عار لابد أن يتخلص منها ، ولا ننسى أن الهدف الرئيس من وراء كل ذلك هو إسقاطه بأي وسيلة كانت لأنه لا ينتمي إلى التيار العلماني ، ولا ننسى تصريحات بعض نخب هذا التيار بأن زمن الإخوان لن يستمر أكثر من شهور  

·        أحزاب تنتمي إلى التيار الإسلامي ، تسعى جاهدة لتثبيت هوية مصر الإسلامية ، لأن هذه الأحزاب ترفع شعار المرجعية الإسلامية ، وغالبا ما تؤيد هذه الأحزاب قرارات الرئيس

·        أحزاب علمانية يقف معها نخب إعلامية وثقافية تصطبغ بنفس الصبغة العلمانية ، هؤلاء ينضوون تحت دعاوى مختلفة فمنها الليبرالي واليساري والمدني والوطني والقومي وغيرها ، هؤلاء يتخفون خلف شعار المدنية ، وهم يحاربون الرئيس سرا وعلانية ، ويحاولون بل ويسعون لإسقاطه وإسقاط التيار الإسلامي معه

 إذن فالقراءة الصحيحة للمشهد السياسي تقول أن المعركة الدائرة هي معركة بين المرجعية الإسلامية ، والمرجعية العلمانية ، بين الشريعة الإسلامية ، وبين الشريعة العلمانية التي تخرج الدين من حسابات السياسة ، ومن ثم تخرجه من حسابات الحياة بمكوناتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها ، وليست المعركة بين الدولة المدنية والدولة الدينية كما يدعون

 كما أن المعركة الواقعة الآن ليست معركة سياسية بالمعنى المتعارف عليه في الدول الديمقراطية ، وهي معارك تكون غالبا لصالح الوطن  ، ولكن المعركة الواقعة هي معركة بين تيار إسلامي وصل للحكم عن طريق شرعي صحيح ، وبين تيار علماني يسعى لإسقاط هذا الحكم بأي طريقة وبأي أسلوب ، بدليل رفض الأخير قبول أي إنجاز ، ورفضه لكل القرارات حتى تلك القرارات التي كان هذا التيار يؤيدها في وقت سابق كقرار تغيير النائب العام ، ولكنه عندما جاء من الرئيس تم رفضه بل الوقوف بشدة ضد القرار ، هذه المعركة لا شك أنها تدار ضد الوطن مصر لصالح أشخاص يحملون توجهات بعينها ، وتحركهم مطامع شخصية

دعونا نطرح سؤالا قد يغيب عن العلمانيين في هذه اللحظة :

ماذا لو جاء التيار العلماني في السلطة ، وشكل تأسيسية يغلب عليها الطابع العلماني ، ثم جاءت بدستور يحمل هوية علمانية ، أو جاء برئيس يحمل في مشروعه ما يخالف الشريعة الإسلامية ، لو حدث ذلك هل ترى سينجحون في تمرير مشروعهم العلماني في الدستور أو في الحكم ؛ وذلك في ظل الحرية التي منحتها الثورة للمصريين ومنهم التيار الإسلامي الذي عانى من القهر والإقصاء طيلة ستين عاما ؟ 00  وهل ستقف التيارات الإسلامية موقفا سلبيا ؟ 00

أعتقد أنه بعد سقوط الدولة البوليسية في مصر بعد ثورة 25 يناير ، وبعد انتزاع الحرية لن يستطيع التيار العلماني أن يمرر مشروعة لأن التيار الإسلامي الذي يتمتع بقوة جماهيرية في الشارع لن يسمح لهم بذلك ، ولكن سيكون الوطن مصر هو الخاسر الأساسي في هذه المعركة

ولذلك يجب على أصحاب التيار العلماني إن يدير المعركة حسب قواعدها الديمقراطية ويبحثون عن نقاط اتفاق مع التيار الإسلامي من اجل الوطن ، ويكشفون عن هويتهم الحقيقية ، ويتوقفون عن رفع شعار " مدنية الدولة خط أحمر  " لأن الجميع بما فيهم التيارات الإسلامية قد تجاوزه بعد سقوط الدولة العسكرية ، وفي هذا الحال لن يكون لون الخط أحمر ، ولكنه قد يكون رمادي.