الإخوان وحلف الدولة العميقة!!

حسام مقلد *

[email protected]

لا يختلف اثنان في مصر على أن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية كانت أهم مطالب ثورة 25يناير المباركة، ولا يختلف اثنان في مصر كذلك على أن العمل الجاد وزيادة الإنتاج في شتى المجالات مطلب مُلح لتوفير الرخاء والرفاهية للمواطنين من خلال تحقيق التنمية الشاملة والانطلاق في بناء نهضة مصر الحضارية؛ لتتبوَّأ المكانة اللائقة بها، وتعود عزيزة قوية ورائدة كما كانت، وكل ذلك يحتاج إلى الاستقرار والتوافق المجتمعي المطلوب.

وكان المنطقي والمتوقع بعد نجاح الثورة وتمكن المصريون من إسقاط الطاغية أن يتعاونوا جميعا للنهوض بوطنهم، وأول شروط النهضة: بناء دولة المؤسسات المستقرة التي يطبق فيها القانون على الجميع، وهو ما بدأنا نراه في مصر بعد تولي الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي مقاليد الحكم، فبسلاسة وهدوء أنهى حالة الازدواجية التي كانت موجودة في الدولة المصرية حتى ظن الناس أن لها رأسين، وبجراحة دقيقة تمكن الرجل من القضاء على حكم العسكر وجعل مصر دولة مدنية حديثة بامتياز، وانطلقت اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور في عملها وبذلت جهدا كبيرا وأخرجت منتجا متميزا هو المشروع الأولي للدستور، وطبعا لابد أن يخضع للمناقشات والتعديل والتبديل؛ للوصول إلى توافق مجتمعي حول صيغته النهائية ليكون دستورا حضاريا لائقا بمصر بعد الثورة.

وعلى الصعيد الخارجي حقق الرئيس محمد مرسي نجاحات كبيرة شهد بها الجميع أعاد من خلالها لمصر بعض قوتها الناعمة المتآكلة، وقام بحملة عسكرية وأمنية لحماية الأمن القومي المصري في سيناء، ووضعها على رأس أولويات السلطة لإعادتها إلى حضن الوطن، وبدأ في وضع خطة شاملة لتنميتها وتوطين أربعة ملايين مصري فيها ليكونوا خط الدفاع الأول عنها وعن الوطن كله، وحقق مرسي في الداخل إنجازات جيدة في عدة ملفات مهمة بمتوسط نجاح بلغ نحو (70٪) وهذا كله في مئة يوم فقط!!

ثم انطلق الرئيس محمد مرسي لفتح أخطر الملفات على الإطلاق وهو ملف الفساد المستشري في جميع أوصال الدولة المصرية، ولا أبالغ إن قلت إن الفساد هو أخطر الأوبئة الفتاكة المستوطنة في مصر منذ عقود، وفي غضون عدة أيام وجَّه ضربات موجعة لقلعة الفساد، وعندما بدأت تترنح وتتهاوى تجمع كل الفاسدين مجددا وشكَّلوا حلفا جديدا للوقوف أمام حملات التطهير التي يقودها الرئيس المنتخب، وبكل أسف بدلا من أن نرى القوى السياسية المختلفة تقف مع الوطن في حربه على الفساد وجدنا بعضها يقف مع معسكر الفاسدين بدافع كراهية الإخوان المسلمين والتنافس السياسي غير الشريف معهم!!

وبدلا من استثمار النجاحات التي حققها الرئيس مرسي وتدعيمها والبناء عليها لمصلحة الوطن فوجئنا بتجدد محاولات إثارة الفتن السياسية والتحرش بالإخوان، وضربهم، وإحراق حافلاتهم، وتأجير البلطجية للاعتداء عليهم بشكل فاضح، ثم إلصاق التهمة بهم، والافتراء عليهم بأنهم هم المعتدون، والغرض من كل ذلك تأليب الشعب عليهم لينفض عنهم ويقف ضدهم!! وبدهي جدا أن نتساءل الآن:

لمصلحة من يحدث كل هذا؟ لمصلحة من عرقلة مسيرة الإصلاح والبناء التي انطلقت؟ لمصلحة من إيقاف الحرب على إمبراطورية الفساد في مصر؟ لمصلحة من التشويش على الرئيس مرسي وطمس إنجازاته وتأليب الناس عليه؟ لمصلحة من محاولات إفشال اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور؟ لمصلحة من إرباك البلد ونسف كل ما تم إنجازه حتى الآن والعودة للمربع الأول؟ لمصلحة من تشويه الإخوان المسلمين والإسلاميين عموما وشحن المجتمع ضدهم؟ لمصلحة من هذا الاستقطاب الحاد، وتأزيم الوضع السياسي وزيادة الاحتقان المجتمعي في مصر عبر الوقفات الاحتجاجية والإضرابات الفئوية التي لم تتوقف منذ اليوم التالي لتولي مرسي المسئولية، وكأن مع الرجل عصا سحرية ستحل مشاكل ستة عقود كاملة بلمسة واحدة!!

أجل لمصلحة من كل هذه الإثارة ودفع البلاد إلى حالة من الفوضى والاضطراب؟ ومن يقف وراء كل هذه الأفعال؟ من يخطط ويوجه ويرتب لإحداث كل هذه الفتن؟ من المستفيد من الفوضى وهدم كل ما يُبنَى وإيصال المجتمع إلى حالة من الإحباط واليأس؟ وما السر والدافع الحقيقي وراء تحالف اليساري مع الليبرالي والفلولي مع العلماني لإفشال مرسي وإسقاطه؟! ومن الفاعل والمحرك الرئيسي لكل هذه الأحداث؟!

أعتقد أن الإجابة أوضح من الشمس، فليس هناك طرف ثالث ولا (لهو خفي) ولعل تكتل الكثيرين من شتى المشارب السياسية في أزمة النائب العام الأخيرة وتمترسهم خلفه تكشف لنا بكل وضوح أن الدولة العميقة لا زالت موجودة، وما تزال أذرعها المنتشرة في مؤسسات الدولة المختلفة تعمل بكل قوة، وتتعاون مع كل القوى المناوئة للإخوان داخليا وخارجيا وتشكل معهم حلفا قويا لإفشالهم وتعويق مسيرتهم، وشل حركتهم ومنعهم من تحقيق أي إنجاز مباشر يلمسه الناس ويستفيدون منه في حياتهم اليومية، على أمل أن ينفض الشعب على الإخوان ويسقطهم في الانتخابات القادمة. (ولعلنا نستحضر ونتذكر أن الفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء لمبارك والمرشح الرئاسي الخاسر والمطلوب للعدالة في مصر لا يزال يعمل مستشارا لبعض حكام دولة الإمارات العربية المتحدة!! الذين لم يخفِ بعضهم كراهيته الشديدة للإخوان المسلمين، ولم يتردد في إبداء نقمته عليهم، ولا أدري إن كانت هذه قناعة شخصية لدى هذا البعض، أم أنها تأتي في سياق مواءمات إقليمية معينة...!!). 

ومن هنا أتمنى أن ينتبه الإخوان (وسائر الإسلاميين) لما يحاك ضدهم ... وألا ينساقوا وراء الخطط القذرة التي تستدرجهم لمقتلهم وحتفهم السياسي... كفانا مليونيات أرجوكم... الشعب يريد الاستقرار والحياة الكريمة الهادئة... يريد فرص عمل جديدة وسكن لائق ومرتبات مجزية ... يريد تعليما جيدا وخدمات صحية مناسبة... يريد ديمقراطية حقيقية وتوافقا وطنيا... الشعب يريد من كل القوى السياسية وعلى رأسها الإخوان العمل الجاد البناء، والتوقف عن الجعجعة واستعراض العضلات!!

               

 * كاتب إسلامي مصري