ما وراء طائرة نصر الله

ياسر الزعاترة

لأننا «مقاومون سابقون» لم نحتفل بطائرة حزب الله من دون طيار، فقد تركنا ذلك للمقاومين الدائمين! لكننا لم نصمت عليها, فقد كتبنا عنها في «تويتر» مرارا، ليس احتفالا، بل في سياق تنفيس الاحتفال الذي أقامه الحزب وأشياعه على أمل تحقيق أحد الأهداف الرئيسة التي من أجلها أطلقت الطائرة في هذا التوقيت بالذات.

نحن ابتداء مع المقاومة والبطولة في كل زمان ومكان، ولذلك تحديدا نقف اليوم مع المقاومة والبطولة التي يجترحها الشعب السوري. نقول ذلك لأن المقاومة والبطولة في عرفنا لا تكون ضد الاحتلال الصهيوني أو الاحتلال الأميركي فحسب (أصدقاء حزب الله كانوا من أذناب الاحتلال الأميركي في العراق)، بل أيضا ضد احتلال الأوطان ورهنها لنخب فاسدة تأكل الأخضر واليابس، سواء رفعت شعار المقاومة والممانعة أم شعار الاعتدال.

تجارة فلسطين والمقاومة والممانعة لا تأكل عقولنا ولا تأسر قلوبنا، وإذا كان تحرير فلسطين سيتأخر من أجل أن تتحرر هذه الشعوب من ربقة الاستبداد والفساد، فليكن، مع أننا نرى العكس، لأنه لا تحرير لفلسطين ما دام قرار هذه الأمة مسروقا من قبل النخب إياها. وقد كتبنا قبل يومين عن المفاوضات التي كانت دائرة بين الأسد ونتنياهو، كي نؤكد أن الشعارات شيء والواقع شيء آخر.

لسنا ممن أنكروا وجود محور مقاومة وممانعة أخذ قيمته من بؤس المعسكر الآخر (المشهد كله يتغير بعد ربيع العرب)، ولا ممن أنكروا أو ينكرون بطولات حزب الله السابقة في مواجهة العدو. لم ننكرها رغم علمنا بحقيقة المشروع الذي من أجله جرى «تلزيم» مقاومة لبنان وجنوبه للحزب وحده واستبعاد الآخرين، بمن فيهم فلسطينيو لبنان ممن كانوا يتمنون مواجهة عدوهم.

اليوم يريدنا بعضهم أن نحتفل بطائرة نصر الله العظيمة، لكأنها الفتح الاستثنائي الذي سيحرر فلسطين ويزيل الاحتلال رغم علمنا بالظروف التي استدعت إطلاقها في هذا التوقيت على وجه التحديد.

لقد آن أوان القول إن حزب الله لم يعد مقاوما بالمعنى الواقعي للكلمة، ولا يحق له الحديث عن فلسطين إلا كما تتحدث عنها أية حركة أو جماعة إسلامية أو غير إسلامية هنا أو هناك.

منذ أن قبل بوجود قوات «اليونيفيل» في الجنوب بعد حرب يوليو 2006، فقد أنهى حزب الله مسلسل المقاومة ورضي بالواقع القائم، وما قصة مزارع شبعا سوى ستار يغطي به احتفاظه بالسلاح الذي أصبح مخصصا للحسم الداخلي ولزيادة الوزن السياسي لا أكثر.

ليس للكيان الصهيوني مطامع في لبنان. تلك لعبة انتهى أمرها، ومن ينصب جدارا أمنيا بينه وبين نصف الضفة الغربية التي هي جزء من أرض إسرائيل «يهودا والسامرة» بحسب قناعته، وينسحب من قطاع غزة، من يفعل ذلك لن يعود إلى لبنان من جديد.

اليوم لم يعد سلاح حزب الله مخصصا للمقاومة، بل هو سلاح للداخل لا أكثر، بدليل أن حسن نصر الله لا يجد غير القول «إذا ضربوا ضربنا، وإذا قصفوا قصفنا»، وهم لن يضربوا ولن يقصفوا لأنه لا حاجة لهم بذلك. ونتذكر أثناء حرب يوليو 2006 كيف لم يجد حسن نصر الله غضاضة في الاعتراف بأنه لو كان يعلم حجم ردة الفعل الإسرائيلية لما أمر بتنفيذ عملية اختطاف الجنديين الإسرائيليين.

تلك حقائق لا يريد شبيحة بشار الأسد، ولا أدعياء الحكمة الاعتراف بها، وهم يريدون منا الاحتفاء بطائرة نصر الله رغم أنهم جميعا يعرفون أنها ليست طائرة مقاومة، بل طائرة إيرانية الحديد والتكنولوجيا, وقرار الإطلاق أيضا.

رسالة الطائرة هي من إيران، وخلاصتها أن هناك من سيشاركنا الرد عليكم إذا تورطتم في ضربة عسكرية لمنشآتنا النووية كما سبق وأكد أكثر من مسؤول إيراني في مناسبات شتى.

ما لا يقل أهمية في السياق هو أن الطائرة كانت محاولة بائسة للتغطية على موقف إيران وحلفائها الساقط بدعم نظام الإجرام في دمشق. محاولة يائسة لاستعادة بعض البريق في أوساط أمة لم يعد أكثر أبنائها يفرقون في العداء بين إيران وبين الكيان الصهيوني، بل إننا نتابع ردود فعل تعتبر إيران أخطر من الكيان الصهيوني وأميركا.

من يقف مع نظام مجرم يقتل شعبه لحسابات طائفية مفضوحة لن يغطي عورته بحكاية طائرة نعلم تماما أجندتها الحقيقية, التي لا صلة لها بتحرير فلسطين, التي ختم الدور حيالها بمباركة تموضع قوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان، ولم يتبق غير التجارة السياسية، تماما كما تاجرت أنظمة عربية كثيرة بقضية فلسطين للتغطية على سياسات بائسة في الداخل.