هل التشيع في العراق علوي أم صفوي؟ 1

هل التشيع في العراق

علوي أم صفوي؟

الجزء الأول

علي الكاش

كاتب ومفكر عراقي

[email protected]

" وجود المجتهدين الفرس والجالية الفارسية الكبيرة في العراق هو أشبه ما يكون بحصان طروادة في هذه البلاد". اسحق نقاش/شيعة العراق.

قد يبدو عنوان المقال إستفزازيا لكن سببه يحمل نفس الصفة الإستفزاز، ومع هذا فإنه يبقى مجرد علامة أولى في طريق سنسير معا في شعابه المظلمة لإستكشاف خفاياه ونهايته. فقد إنتشر طاعون صور الخميني والخامنئي في البصرة وإنتقلت العدوى إلى بقية محافظات الجنوب ثم توجهت شمالا إلى الفرات الأوسط لتصيب بعدها قلب العاصمة بغداد. ومع صور ثلة المجرمين بحق العراق والعرب، رُفعت أعلام حزب الله ولا نعرف ما علاقة حزب الله اللبناني بالعراقيين حتى لو إفترضنا ان حزب الله العراقي كان البغل المولود من أب فارسي وأم لبنانية. فهذا الحزب لا يوجد له تمثيل قوي وفاعل في العراق ورفع اعلامه بهذه الكثافة في العاصمة بغداد يطرح كثير من علامات الإستفهام.

من البديهي أن تقف حكومة المالكي موقف المتفرج ازاء إستفحال هذه الفايروسات الخطيرة، فهي من نقلتها معها إلى العراق. وربما وجدت في الصور واللافتات فرصة مناسبة لكي تظهر لوزير الدفاع الايراني خلال زيارته اليتيمة للعراق بأن يشعر كأنه في بلده إيران! سيما أن هناك زيارات لاحقة لقائد القوة البحرية الأيراني خلال الأيام القادم، وزيارة مرتقبة للرئيس نجادي أكدها السفير الايراني في بغداد( حسن دنائي) دون تحديد موعدها. ويُذكر بأن هناك توجيهات محدودة التداول للشرطة من قبل وزارة وكيل وزارة الداخلية لمراقبة اللافتات الكبيرة في السحات العامة حرصا عليها وخشية من العبث بها!

لاشك أن هذه الصور المقيتة تشكل إنتهاكا صارخا للشعب العراقي عموما ولشهدائه ممن قتلوا في حرب الخليج الأولى. ولا يمكن قبول أية حجة لتوزيعها بهذه الكثافة ورفعها في الشوارع الرئيسة. وأي عراقي لا يتأثر بهذا المشهد المخزي يمكن أن نحكم عليه بأنه عار على العراق. ونحن قل ان ندخل صلب الموضوع نتساءل بحيرة: ما الذي قدمه الخميني للعراقيين لكي يرفعوا صوره؟

أليس هو مجرم حرب وبرقبته دماء الأبراء من الشعبين المسلمين العراقي والإيراني؟

أليس هو من رفض وقف الحرب من الأسبوع الأول بعد موافقة العراق ضاربا بعرض الحائط كل الوساطات الدولية والعربية والإسلامية؟

ألم يشبه هذا الوغد وقف حمام دم المسلمين بكأس سم جرعه رغم أنفه ولم يمهله سوى أشهر ليحل ضيفا عزيزا على جهنم؟

ألم يقصف الخميني مدن هؤلاء الرعاع العراقيين الذين رفعوا صوره، بالصواريخ وهدم البيوت على رؤوس أصحابها؟

ثم ما الذي قدمه الولي الفقيه الخامنئي للعراقيين سوى التعاون مع الشيطان الأكبر لغزو العراق وتديره علاوة على تربية وتفقيس الميليشيات الإجرامية للعبث بأمن المواطنين.

ألم يقطع الولي الفقيه الماء على العراقيين ويرمي بأملاح تربته على أرضنا المقدسة؟

ألم يغرق سوقنا بالسلع الرديئة والأدوية الفاسدة؟

ألم يسرق نفطنا ويستولي على آبارنا الحدودية بذريعة الآبار المشركه ؟

ألم يجعل العراق مستهلكا للمخدرات، ومعبرا لتهريبها إلى دول الخليج العربي؟

فعلام ترفع صورته؟ أليس الأصوب أن تداس صورهم بالأحذية القديمة؟

لا نعتب على الحكومة فايران هي الحبل السري الذي يؤمن لها الحياة والإستمرارية. ولا نعتب على البرلمان فربع نوابه من الفرس، والربع الآخر متفرس، والربع الثالث مخنوق لا يقدر على النطق والربع الأخير لاعلاقة له بالعراق أصلا! فقد أخذ حصته في شماله وانسلخ عن المواطنة والمذهب. وربما اسوار المنطقة الخضراء العالية تُحجب رؤية الصور واللافتات عن أنظار رئيسه الهمام وشراذمه! سيما ان النواب المنتخبين من الشعب بطريقة شفافة للغاية لا يغادرون حصنهم الأخضر.

ولكن نقول أين شيعة العراق العلويون؟ لم نرى، ولم نسمع بتظاهرة ولا استنكار ولا تصريح ولا مناقشة حتى على مستوى عشيرة تندد بتلك الظاهرة المخزية! من المؤكد ان العشائر التي كشفت مؤخرتها للمالكي ونواب السيستاني كمناف الناجي من عقاب القضاء تقع خارج تغطية شبكة الغيرة والشرف. فهي غير مقصودة وغسلنا أيدينا ممن لم يغسل عاره بيده.  لكن أين بقية العشائر؟ أين المفكرون والكتاب والمثقفون الشيعة؟ اين المراجع الدينية كالصخري والمؤيد والخالصي؟ أين نقابة الصحافيين ومؤسسات المجتمع المدني؟ أين أصحاب الغيرة والشرف؟ هل ولد العراق عربيا ليموت فارسيا؟ أين الأحزاب التي تدعي الوطنية؟

في يوم القدس العالمي كانت أذرع بعض العراقيين الأراذل ترفع صور الخميني والخامنئي! وفي إحدى اللافتات كتبت جملة للخامنئي جاء فيها" قدر الله ان فلسطين سوف تتحرر". عجبا! ما الذي فعله الخامنئي للفلسطينيين؟ الم تقتل ميليشياته الفلسطينيين في العراق وشردت المئات مهم لخارجه ولم تنفع توسلات وإستنجادات أبو مازن للطالباني؟ هل حرر الفقيه القدس دون أن نعلم؟ هل دكت صواريخه الكيان الصهيوني؟ هل منح عائلة كل شهيد فلسطيني(25000) دولار؟ ألم يعمل على بثت الفتنة بين الفصائل الفلسطينية بدعم طرف موالي لدولة الفقيه دون بقية الأطراف؟ الم يَدعِ هو وسلفه بأن تحرير القدس يتم عبر تحرير كربلاء! فكربلاء تحررت من الحكم الوطني ومن العروبة أيضا وطريقها بات مفتوحا للفقيه لتحرير القدس، فما الذي يعرقل مسيرته؟ أم هو ضحك على الذقون؟ سيما إن وثائق ويكليكس كشفت عن قسم قاسم سليماني بعدم إستهداف الأمريكيين في العراق، وكلنا يعلم ان من بينهم صهاينة! والذي لا يستهدف الأمريكيين لا يستهدف الصهاينة فهما وجهان لعملة واحدة. ويكفينا ما جاء في مذكرات (أرييل شارون) بقوله" لم أرَ يوماً في الشيعة أعداء إسرائيل على المدى البعيد". يا للهول! على المدى البعيد وليس القريب. من ضمن له هذا الأمد البعيد يا ترى؟

أولئك الأوباش الذي رفعوا صور العفونة والقذارة يحيروننا حقا! اليس من بينهم من قدم شهيدا أو أسيرا أو معوقا خلال الحرب العراقية - الإيرانية؟ اليس من بينهم من له أم أو أخت أو قريبة أرملة شهيد؟ أليس في عوائلهم أيتام أستشهد آباؤهم في الحرب؟ ألم تذرف عيونهم الوقحة دموعا على أب أو أخ أو قريب أو صديق من الشهداء؟ ألم تهتز مشاعرهم البشرية وهم يرفعون توابيت الشهداء بنفس الأيادي التي ترفع اليوم صور من قتلهم؟ ألم يشهدوا مراسم دفن الشهداء في المقابر؟ ألم يحضروا فاتحة شهيد وقرأوا سورة الفاتحة على روحه الطاهرة؟ أليست عندهم ذرة من الغيرة، ونبضة شرف، وقطرة عرق كرامة، ليحترموا مشاعر أهل الشهداء؟ أبشر هم أم قطيع من الذئاب؟

نستذكر جميعا كيف قامت قيامة الشيعة والمراجع عندما صرح الرئيس الرئيس حسني مبارك بأن ولاء أغلب الشيعة في العراق والمنطقة ليس لدولهم. كأنه بتصريحه فرك مصباح حوزة النجف فأخرج جني سيستان من قمقمه المظلم ليرد على إدعائه، معتبرا إن كلامه يعني الطعن في وطنية عشرات الملايين من أبناء هذه المنطقة والنيل من مواقفهم المشرفة على حد تعبيره. ولم يستشهد سماحته بالطبع بالحرب العراقية الإيرانية! كأنه لم يكن للشيعة دورا مشرفا في مقارعة قومه الفرس! وإنما استشهد بثورة العشرين وتصديهم للإحتلال البريطاني. متناسيا بأن ثورة العشرين لم تكن ثورة شيعية بل ثورة وطنية إجتاحت العراق من شماله إلى جنوبه وكات لمخلف شرائح الشعب دور فيها ولا ننكر اليد الطولى للشيعة. وكان موقف المراجع من بطانة السيستاني مخزيا حينها ما بين الإذعان للبريطانيين أو التوسط بينهم وبين العشائر الثائرة(سنناقش هذا الموضوع بمبحث مستقل) إلا النزر القليل من العلماء العراقيين وليس الفرس ممن تعاطفوا مع الثوار. ثم كيف يردون الآن شيعة العراق على تصريح مبارك وصور الخميني والخامنئي تنتشر في معظم شوارع بغداد وجنوب العراق والفرات الأوسط؟ هل كان مبارك محقا أم على خطأ؟ وما هي مؤشرات الخطأ والصواب على الواقع الحالي في العراق؟ نعم قد لمسنا أثر التشيع الصفوي في العراق. ولكننا لن نلمس ردة فعل التشيع العلوي بعد! فأين العلة أهي شلل العقول أم شلل الأبدان؟

سنرجع قليلا إلى الوراء لنلقي الضوء على التغلل الفارسي لشيعة العراق والذي إنتهى إلى هذه النتيجة الخطرة وتداعياتها المستقبلية على البلاد. سننطلق من تأريخ تأسيس المملكة العراقية ونستقرأ موقف المراجع الشيعية تجاه الحكومات الوطنية من جهة وتجاه حكومة طهران من جهة ثانية ونستمر للزمن الحالي. لأنه بدون البحث في الأساسات يصعب معرفة طبيعة البناء وسيما العقائدي منه. وقبل هذا وذاك لابد من معرفة الفرق بين التشيع العلوي والتشيع الصفوي، ولا نعتقد إن هناك من كتب عن هذا الموضوع افضل من الكاتبين الشهيدين د. علي شريعتي وهو فارسي، وإحسان إلهي ظهير وهو باكستاني (رحمهما الله ) وكلاهما كان ضحية الغدر الفارسي بسبب مواقفهما الجريئة ضد التشيع الصفوي ومناقشة إنحرافاته الخطيرة عن خط الإسلام. ونفس الجهة الغادرة كان لها دور سلبي في العراق المحتل من خلال تصفية الآلاف من العلماء والاكاديميين والمفكرين والسياسيين المعارضين لغطرستها وشعوبيتها واطماعها التوسعية، علاوة على صفاقتها ورعونيتها. وكان آخر شهيد في القافلة محمد مصبح الوائلي ورغم ان للشهيد مواقف يصعب غض النظر عنها، لكننا سنتجاوزها من منطلق إذكروا محاسن موتاكم. والحقيقة التي لا يمكن إغفالها إن الأخوين محمد مصبح والحي إسماعيل مصبح كان لهما مواقف وطنية أزاء رفض التدخل الإيراني في العراق ولاسيما جنوبه، الذي تؤكد كل المؤشرات على الأرض انه أصبح الحديقة الخلفية لملالي طهران.

التشيع الصفوي قائم على دعامتين هما المذهبية(الصفوية)والعنصرية(الفارسية). في حين التشيع العلوي يقوم على أساسي العروبة والفقه العلوي. وفي الوقت الذي إرتبط التشيع العلوي بالأئمة وتعزيز الإسلام، إرتبطت الصفوية بالنصرانية وعملت بجد على تقويض الخلافة الاسلامية، وكان لها دور فاعل في إنهائها لصالح العالم المسيحي. ونفس الحالة تكررت مع إحتلال إفغانستان والعراق حيث تعاون النظام الصفوي مع الأنظمة المسيحية والكيان الصهيوني لغزو بلدين مسلمين وتدميرهما.

يذكر شريعتي بأن" اكسير الإستحمار الصفوي تمكن من تحويل الدم إلى ترياق، وثقافة الإستشاد إلى ترنيمة ". ورغم ان التشيعين يحملان تقريبا نفس الصفات العقائدية، لكن النسخة الصفوية هي نسخة مشوهة للتشيع العلوي. فالتشيع العلوي تشيع إسلامي عقائدي صرف منفتح وبعيد عن الكهنوتية، في حين التشيع الصفوي تشيع روحاني كهنوتي ذو أصول صوفية إنعزالية. التشيع العلوي هو مذهب آل البيت القائم على القرآن والسنة النبوية، ويهدف إلى إشاعة روح العدالة والتسامح والقوة والأخاء ومقاومة الطغاة والمستبدين ومحاربة الغلو والتطرف، والتمسك بحبل الله، وتوحيد المسلمين فعلا وقولا. والتشيع الصفوي هو مذهب شعوبي مكونه الأساسي عقائد مختلفة من النصرانية واليهودية والمانوية والمجوسية والديانات الهندية. إنه خليط فكري غير متجانس مختلف الأسس، لكنه موحد البنيان، غايته تدمير الإسلام  وتفريق وتشتيت المسلمين على يد فئة ضالة تتنكر بإسه، كي يصعب على الآخرين تشخيصهم أو تجنبهم.

 فالعترة مثلا في التشيع العلوي تعني القرآن الكريم والسنة النبوية ولا علاقة لها بالنسب والوراثة. أما العترة في التشيع الصفوي فهي أسرة الإمام علي فقط، أي إعتماد صلة النسب والوراثة وقبول أفكار هجينة تتعارض مع القرآن والسنة وفقه الأئمة نفسه. والعصمة في مفهومها العلوي تعني تحمل الحاكم مسئولية رعيته فهو مسئول أمام الله تعالى عن أحوالهم. وتستلزم الزعامة أن يتمسك بحبل الله ويبتعد عن الكبائر ومطامع الدنيا، وأن يتولى تحقيق العدالة والمساواة والخير لهم. لكن العصمة في التشيع الصفوي نزهت الأئمة عن الخطأ والزلل فأفقدتهم طابعهم البشري وأكستهم ثوب الألوهية، وجعلت أقوالهم واعمالهم معصومة، فهم ينطقون عن الوحي رغم ان النبي نفسه لم يكن معصوما إلا في حالة نقل ما يوحى إليه من الله جلٌ جلاله. والولاية في التشيع العلوي هي مبايعة الناس لمن يتولى زمام رعايتهم والتزامهم بالطاعة وتأدية الواجبات وفقا لمعطيات القرآن الأحاديث النبوية والأجتهاد فيما لم يرد فيه نص قرآني أو نبوي. لكن الولاية في التشيع الصفوي أحيطت بهالة مقدسة وأصبحت منزلتها أعلى من النبوة نفسها. وإن عدم الإعتراف بها يعني الشرك بالله وضمان دخول جهنم. لقد أمست مرسوما إلهيا خص به آل علي بن أبي طالب فقط.

التقية في التشيع العلوي حالة خاصة وقتية يتطلبها ظرف ما لغرض المناورة وإتقاء شر الجبابرة والظالمين، لكنها في التشيع الصفوي قاعدة إيمانية عامة، غير ظرفية زمانا ومكانا، بمعنى النفاق والدهاء والمداهنة. والشفاعة في التشيع العلوي الغرض منها معنوي وتنحصر في مجال التوبة لمن عصى الله واعطائه الفرصة للرجوع الى الطريق القويم. لكنها في التشيع الصفوي تعني منح المغفرة من الذي لا يمتلكها إلى الذي لايستحقها. وجعلوا من شفاعة آل البيت مفتاحا للجنة يدخلها الشيعة مهما تمادوا في عصيان الله وإقتراف الكبائر والذنوب. والتقليد في التشيع العلوي يعني الحرية المزدوجة لعالم الدين في إجتهاد ضمن الرؤية القرآنية والنبوية وفقه آل البيت، وكذلك حرية الفرد في تقليده وإتباع ما يناسبه. بينما يعني التقليد في التشيع الصفوي سلب حرية الأختيار من الفرد، فيكون ملزما بتطبيق كل ما يقرره المجتهد حتى لو خرج المجتهد عن القرآن والسنة النبوية وعقيدة آل البيت أنفسهم. ومثال ذلك مراسيم عاشوراء وما يصحبها من عويل ولطم وتطبير واعمال سادية أخرى حرمها الشرع ونهى عنها ألأئمة أنفسهم، في حيث يحث عليها العديد من مراجع الشيعة ويكفينا سكوتهم عنا.

التشيع العلوي هو مذهب التوحيد والمحبة والتسامح والأخاء والألفة والتجديد والإنفتاح والإنسانية والعروبة والجهاد واحترام الخلفاء الراشدين جميعا مع خصوصية للإمام علي( ولا إعتراض مطلقا على تلك الخصوصية) والإشادة بجميع الصحابة حتى لو كانت لهم مواقف وآراء تتعارض مع الإمام علي وخلفه. فالخلافات الإجتهادية بين الصحابة حالة إنسانية وطبيعية، وهي تغني العقيدة والمعرفة ولا تقوضها. بينما التشيع الصفوي هو مذهب الفرقة والجمود والعزلة، مذهب الحقد والكراهية للعرب عموما، إنه مذهب العنصرية المقيتة والتآمر والتعاون مع أعداء الإسلام. مذهب رخيص ينتهج اسلوبا فاحشا وكلاما بذيئا بحق الخلفاء الثلاثة ابو بكر وعمر عثمان رضي الله عنهم وامهات المسلين سيما حفصة وعائشة التي برأها الله تعالى ولم يبرأها الصفويون! علاوة على سب صحابة الرسول سيما معاوية بن أبي سفيان(رض) صهر النبي(ص) الذي وصف الامام علي(رض) خلافه معه" ان ربًنا واحد ونبينا واحد ودعوتنا في الاسلام احدة. لانستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ولا يستزيدونا. الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه دم عثمان ونحن منه براء". (نهج البلاغة /649). إذن كلاهما علي ومعاوية رضي الله عنهما يعبدان الله الواحد الأحد، ويؤمنان بنبي واحد، وكتاب واحد، ولهما دعوة واحدة وايمان متكافيء. الخلاف حول نقطة واحدة فقط وكل منهما إجتهد في رأيه والله هو الحكم بينهما! فما شأننا بخلافهما حول جريمة قتل عثمان(رض)، طالما إن ما يجمعهما هو أكثر بكثير مما يفرقهما.

على مر الدهور كان لبلاد فارس دورا سلبيا إتجاه العراق الذي صار عنوانا لمطامعها التوسعية وميدانا لنزاعاتها المذهبية تارة مع الخلافة العثمانية، وتارة لصراعاتها مع الوهابيين، فدفع ابناؤه دماءا غزيرة لصراعات ليس لهم فيها ناقة ولا جمل فلا جاره الشرقي المسلم رحمهم ولاجاره الغربي المسلم رحمهم. ولم تغفل عيون المارد الفارسي لحظة واحدة طريدته العراقية فهو يتربصها دائما. معتبرا إنه أحق بها من غيره.

تنطلق الرؤية الفارسية للعراق بأنه طالما خضع لنفوذه حقبة طويلة من التأريخ فهو جزء منه. بالرغم من عدم وجود أية خصائص مشتركة بين الشعبين العربي والفارسي قبل الإسلام. وبالرغم من سيطرة العراق أيضا على بلاد فارس في حقب تأريخية سابقة، لكنه لم يمد نظره الى ما بعد من حدود النظرة التأريخية. والغريب في هذا الأمر إن الامبراطورية الفارسية سيطرت ليس على العراق فحسب، بل على بلاد واسعة كخوزستان واجزاء من روسيا وافغانستان وتركيا، لكنها لم تجرأ أن تدعي بعائديتها لها! والسبب معروف بالطبع! فالعلة فينا كشعب تحركه ريح المذهبيه فتصبح الوطنية قصبة في مهبها. وكأنظمة سياسية جبارة وعاهرة أمام شعوبها وضعيفة خوارة أمام اعدائها. وكفة  الضعف والتشتت العربية هبطت أمام كفة الجرأة والصلافة الفارسية.

تتجلى الصفاقة وقوة النفوذ الفارسي في العراق لدرجة إن الحكومة الإيرانية وضعت شروطا مجحفة للاعتراف بمملكة العراق عام 1924 منها تمتع رعياها الفرس في العراق بنفس إمتيازات الإنكليز المنصوص عليها في الاتفاقية القضائية الانكلوـ عراقية. كذلك إعفاء مواطنيها في العراق من إداء الخدمة العسكرية الإلزامية. وأن تكون إدارة أملاك المتوفين الإيرانيين في العراق من قبل قنصلياتها. والأغرب من هذا كله هو أن تتم محاكمة المتهمين بجرائم مدنية وجنائية من مواطنيها أمام المحكمة الخاصة بالأوربيين، ولا يمثلون أمام القضاء العراقي! والأكثر غرابة أن تتولى حكومة طهران نفسها حماية العتبات المقدسة في العراق. ولما رفض الأنكليز ذلك الشرط، إستبدلته الحكومة الإيرانية بشرط آخر وهو أن تكون حماية الحكومة العراقية للعتبات المقدسة مشروطة بموافقة وإشراف المراجع الشيعية.

للحديث بقية بعون الله