وقفة مع نشطاء الداخل

د. طارق باكير

[email protected]

تابعت الندوة التي قدمتها قناة (الجزيرة مباشر) قبل أيام لمجموعة من النشطاء في الداخل ، وأقول منصفا ، لقد أدهشني ذلك المستوى العالي في الوعي ، الناضج في الطرح ، الواضح في الرؤية .. لدى هؤلاء الناشطين ، الذين هم من الشباب ، ومتوسطي الأعمار.

 وأود التوقف عند بعض المحاور التي تناولتها الندوة ، ومنها أسباب ودواعي وظروف قيام الثورة ، وهل هي ثورة خبز وجياع ، وتحسين مستوى المعيشة والحياة ؟ لقد كان رأي المشاركين في الندوة أن نظام الحكم الأسدي قام من أساسه على التفرقة والتمييز بين المواطنين ، وعلى محاولة مسخ شخصية الإنسان السوري ، وفصله عن دينه وعقيدته وأخلاقه وتراثه ، وعلى وضع قوانين للتفرقة والتميز والظلم والفساد ، وحرمان المواطن الحر السوي المخلص ، الذي لم يقبل الانخراط في مشروع التفرقة والتمييز بين أبناء الوطن ، ولم يرض بالانحراف والفساد .. حرمانه من أبسط حقوقه ، لذلك فإن الثورة قامت ، وكان لابد لها أن تقوم ، من أجل تحقيق العدالة والكرامة والحرية لأبناء سورية جميعا ، وأن ذلك لا يمكن أن يتم إلا باقتلاع هذا النظام الفاسد الطاغي الباغي من جذوره ، لأنه يمثل حكما مبنيا على الفساد ، لا يمت للشعب ، ولا للعصر ، ولا للإنسانية وقوانينها ومؤساتها بصلة ، وليست مجرد ثورة على خلل معين لسده ، أو انحراف لتصويبه ، أو فساد لإصلاحه .. هو نظام فاسد الجذر والجذع والغصن والورق والثمر .. أو هو نظام فاسد العظم والدم واللحم والأظافر الشعر .. أرأيتم أوضح منها رؤية ، وأحكم منها فلسفة لناشطين يتم تجاهلهم ، والنظر إليهم على أنهم يحتاجون إلى من يقودهم وينظر عليهم ، ويفرض عليهم التبعية والأوامر والتعليمات ؟

 أما بالنسبة لموقفهم من المجلس الوطني الذي تحمسوا له ، وأعلنوا أنه يمثلهم ، وكانوا سببا في دعمه وإعطائه شرعية وقبولا واحتراما ، فإن الآراء اتفقت على ضرورة التمسك بهذا المجلس ، لأنه يشكل إطارا لابد منه ، لتمثيل الثورة وحضورها في المحافل الدولية ، ولدى المؤسسات والمنظمات والدول ، وهم يتمسكون به بقدر تمسكهم وإصرارهم على إصلاحه ، وترشيد عمله ، وتحسين أدائه ، وإعادة هيكلته بما يحقق له التوازن في سائر الجوانب ..

وهنا نجد أنه لابد من إضافة كلمة إلى رعاة المجلس الوطني : إن العقلية التي كنتم تديرون بها مؤسساتكم وجماعاتكم وأحزابكم ، من قبل ، وما كنتم تقومون به من تحزبات وتكتلات ، وما تفرضون من ولاءات ، وما تختارون من شخصيات هزيلة ، تواليكم حد التقديس ، وتدور في فلككم ، وما كنتم تتبعون من ممارسات على أناس فتضطرونهم للخنوع والخضوع لإرادتكم ، مما لا مجال الآن لتفصيله ..

 إن ذلك النهج لن يصلح في هذا الوقت ، ولا في هذا المكان ، ولا مع هذه الثورة المباركة ، وإنه لا سبيل أمامكم إلا أن تصلحوا أمركم ، وتخلصوا عملكم ، وتتجردوا في اختياركم ..

 إن أحدا – حسب الظن – لم يخبر نشطاء الداخل أنه تم تعيين فلان في المجلس ، لأنه يتبع لفلان ويسير في فلكه ، وأن فلانا من هذه الجهة ، في مقابل فلان من تلك الجهة .. وأن الحر المخلص الصادق المتجرد ، لم يكن له مكان في هذا المجلس ، لقد اكتشفوا ذلك بحسهم الذي أرهفته التجربة والأحداث والمعاناة ، ولأنه لم يعد بالإمكان التحكم بالناس وإرغامهم على الرضى والسكوت ..

 لقد رفضوا هذه الممارسات لأنهم أبناء سورية الجديدة ، سورية البذل والتضحية والفداء ، من أجل الحرية ، وإقامة الحق والعدل والإنصاف ، ورفض الظلم والتسلط والهيمنة والاستبداد ..

 فيا رعاة المجلس الوطني ، أصلحوا أعمالكم ، ووفروا على سورية الوقت والجهد ، فإن كل لحظة تمر ، تخلف ما تعلمون من المآسي والفواجع والكوارث ، وإن سورية يراد لها الفناء ، ولأهلها الإبادة ، وإنهم ماضون في ذلك ، وإنها اليوم تحتضر .. وهناك من يقتسمون المواقع للتحكم بالثورة ، والأشخاص للتبعية لهم ، والمناصب للظهور والشهرة .. أصلحوا أعمالكم أو تنحوا ، حتى لا تحملوا وزر تدمير الوطن .. وليتكم تصلحون ، وليتكم تقدرون !