سيف الدولة .. واشوقاه

سيف الدولة .. واشوقاه

عبد الله زنجير /سوريا

[email protected]

هذا الحي اختلط بلحمي و عظمي ، فيه ولدت و درجت ، وكل ليلة غربة تحملني الأحلام إليه و كأنه مشيئة قلبي ، أقبل ذا الجدارا و ذا الجدارا ! لقد تفتحت مداركي فوق ثراه و شاهدت بعيون الطفولة شق شوارعه و تأسيس مرافقه : الحديقة الملتحفة بأشجار السرو ، و مبنى البريد ، و جامع آمنة بنت وهب ، والسوق التجاري ، و مدرسة الشهيد توفيق علبي .. إنه لحن حزين و جرح قديم ، و بطولات راحت تتجدد

اختير اسم ( سيف الدولة ) للمنطقة الناشئة على قمة جبل الأنصاري و المولودة من رحم حلب القديمة ، تيمنا بالأمير الحمداني الأشهر 303 - 356 ه و لتصير سريعا من أحلى الأحياء و أنقاها و أكثرها شبابية و شهدائية . التاريخ هنا لا يعيد نفسه ، فمن أيام الثمانينيات و حتى الآن تتجلى ملامح الأحرار و قيم القوة و رباط الخيل ، تتغذى من شريان الشهادة الذي لا ينضب

لا تغيب عني وجوه الشهداء الأولين و ضحكاتهم ، أحاول إحصاء أسمائهم و ذكرياتهم ، ما أكثرهم و ما أقلنا .. أشاهد اليوم يوتيوبات لجثامين أشبه بالعرسان ، شباب مثل الورد في عزه  قطفتهم غدرا حراب الأسد . لم أتشرف بمعرفة أي منهم فقد ولد معظمهم ما بعد الثورة الأولى ، لكن بعض أسمائهم  أعادتني لأسماء أثيرة : الشهيد عبد الغني كعكة و الشهيد محمد فتال و الشهيد أحمد البي و الشهيد محمود أبو صالح و الشهيد سامر الطويل و الشهيد محمد ناصيف والشهيد محمد وجيه وفائي و الشهيد عمر حبوش و الشهيد عبد السلام سلطان  و الشهيدة سامية الشهابي و الشهيدة بيان حاج طالب - قتلت داخل بيتها - و الشهيد محمد أحمد عبد القادر و الشهيد عبد المجيد فتال و الشهيد حمدان كعكة ، و غيره و غيره . جريمتهم لدى  مصاص الدماء  أنهم قرعوا باب الحرية ، و اختاروا الخروج بمدد من روح الله ، بعد أن صبروا - على وعوده و أكاذيبه - صبر أيوب عليه السلام

من جامع النصر - آخر خط الباص - خرجت تظاهرات كثيرة ، هذا المسجد أشرف على بنائه الشيخ عاكف حبال - رحمه الله - وهو بجوار بيت الخطيب بيت الشهداء ، الأستاذ المربي عبد القادر وأولاده  أنس و أيمن و ياسر ، كان أنس صاحب محل وراء الجامع الكبير اختطفه ( فتيان علي ) من بيته قبل زواجه بأيام قليلة . و على بعد مائة متر منه يقع جامع النور أو جامع الشيخ مجحم العنزي ، أول من خطب فيه الشيخ المحقق محمد عوامة ثم الشيخ صالح زمزوم . و من غربيه في الطرف الآخر تقع دارنا الحبيبة دار فخر الدين الشهيد ، و بذات الشارع منزل الشهيدين حسان صوان و شقيقه ، و بعده بخمسين مترا منزل الشهيدين البطلين رامز العيسى و شقيقه وائل - حصل مرة أن اقتحم سطح بيتنا كلب مسعور بحجم أسد أثار الذعرالشديد ، قال لي أخي رفعت : ليس لنا إلا رامز ، فلما جاء أخرجه  بنصف دقيقة - و على استمرار شارع سيف الدولة الرئيسي تتناثر بيوت الشهداء مثل حبات اللؤلؤ ، رائد مهمندار ، محمد حلاق ، بشير خليلي ، جمال زغنون ، عبد الرحمن الطيب ، أيمن علوان ، لؤي تادفي ، آل مشمشان و آل حبيب و سواهم . و بالخلف من جامع التقوى بيت الشهيد الوديع سامح كيالي الذي تعرض للتعذيب الشديد و للفتنة ، إلى أن تم إعدامه في أحد الفروع الأمنية

منتصف سيف الدولة كان يسكن الأستاذ إبراهيم جلال زوج السيدة الداعية أمينة شيخة ووالد الشهيدين جلال و عبد الحكيم ، و بجواره الأستاذ د . فاروق البطل - أمين رابطة العلماء السوريين - و في بداية الحي مقابل ثانوية الكواكبي و دوار الكرة الأرضية منزل الأستاذ الأديب عبد الله الطنطاوي - حفظه الله - و كذلك كان يقطن فيه عندليب الإنشاد ( أبو دجانة ) و شيخ المنشدين ( أمين الترمذي ) و نجم  فرقة الهدى ( حسام طحان ) .. إنها صور ذهنية حميمة و قبضة من تفاصيل خلابة ، تلمع مع أوار ما يحدث - اللحظة - في سيف الدولة و كل سورية

قبل أيام حدثني أحد جيراننا من هناك ، بأنهم لن يتراجعوا عن حقوقهم ، و أنهم لا يخافون الأسد . قال إن الفكرة الوحيدة لديهم باتت : الشعب يريد إسقاط النظام !!   نحن معكم - أحبتنا - إلى .. يوم القيامة.