فخامة الرئيس حمدين صباحي!

فخامة الرئيس حمدين صباحي!

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

لا أعرف السيد حمدين صباحي شخصيا ، كنت أسمع عنه في عهد الطاغية الأرحل في النشاط الطلابي ، ثم تابعت نشاطه ضمن الأحزاب الكرتونية  التي نشأت في عهد السادات ، وتأييد دائرته في البراري والحامول ليكون نائبا في مجالس الشعب على عهد المخلوع ، ثم كانت الطفرة التي جعلته يحتل موقعا متقدما في قائمة المرشحين الرئاسيين الراسبين . فقد تقدم على عبد المنعم أبو الفتوح وعمرو موسي ومحمد سليم العوا في الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة .. ودفعه هذا التقدم المفاجئ نتيجة مواقف متباينة وتحالفات غير معلنة إلى أن يتصور نفسه زعيما تاريخيا حقق ما لم يحققه السابقون ولا اللاحقون ، ووجد في نفسه الجرأة ليطالب بتنحي الرئيس المنتخب بالأغلبية ، و تشكيل  مجلس رئاسي .

والغريب أن السيد صباحي لم يتوقف بعد تنصيب الرئيس الحالي عن الدعوة إلى انتخابات جديدة عقب صياغة الدستور ، والدعوة إلى اشتراكية تعيد عهد الطاغية الأرحل ، وتعيد مصر إلى دائرة الأناشيد والأغاني والهتافات التي ما قتلت ذبابة !

ومشكلة صباحي هي مشكلة الأقلية الناصرية التي تظن نفسها بحكم تمرسها في منظمة الشباب الاشتراكي والتنظيم الطليعي والتنظيمات السرية التي تجعل الابن جاسوسا على أبيه ، صاحبة الحق في حكم مصر بوضع اليد المخابراتية والبيادة البوليسية .

وساعد الأقلية الناصرية على العيش في أوهامها وخيالاتها أنها تسيطر بحكم التراكم والوراثة على مفاصل الإعلام المؤثر ، سواء لدى الإعلام الخاص الموالي للبيادة البوليسية وفلسفة النهب القومي لممتلكات الدولة والشعب البائس ، أو الإعلام الرسمي الذي مازال في قبضة أرامل صفوت الشريف من الناصريين والشيوعيين وأبواق أمن الدولة .

الأقلية الناصرية تحاول الآن أن تجعل الرئيس المسلم ناصريا لأنه تكلم عن الدول العربية والقومية العربية ولم يتكلم عن العالم الإسلامي والخلافة الإسلامية ، ثم إنهم يسعون لتلميع الوريث الناصري أحد أبناء جمال عبد الناصر لتوحيد الأحزاب الناصرية الورقية التي صنعها النظام البائد الفاسد ورعاها ونماها ؛ في حزب واحد يعبر عن الناصرية المهزومة ، وميراثها القبيح في سب المخالفين ، وتشويه الإسلام والتربص بالمسئولين ، وإشاعة الأكاذيب، وقبل هذا وبعده العمل مع الرفاق الشيوعيين الأمنيين على إثارة الاضطرابات وإرباك الانتقال إلى الديمقراطية والحكم الرشيد ، وتفجير الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور .

تتناسى الأقلية الناصرية أنها تفتقد الأرضية الشعبية التي يمكن أن تدفع بها إلى سدة الحكم ، واستعادة عصر العار والهزائم والتجسس على المواطنين والإنشاء الأجوف الفارغ الذي يكتفي ببيع الكلام ، والكفاح بالأغاني والأناشيد ، وبيع الوطن مجانا للغزاة اليهود ، وتبديد ثروات الدولة في حروب عبثية لا طائل من ورائها ؛ اللهم إلا الدماء والقتلى غير الشهداء والثارات الدفينة !

الناصريون في الإعلام يتكلمون عن أوهام وخيالات لا تمت إلى الواقع بصلة ، ويكفي أنهم يصفون عهد الثورة بأنه عهد " الأنصاص " التي قامت و" القوالب " التي نامت ، أي إن الحرية التي انتزعها الشعب بدمائه الطاهرة بعد ستين عاما من القهر الذي فرضه الطاغية الأرحل ، تمثل عهد الأنصاص أما عهدهم المظلم المترع بالعار والهزائم التاريخية فهو عهد القوالب .. ومن المفارقات أن بعض الناصريين يتبجحون أن ثورة يناير هي الثورة الثانية للطاغية الأرحل ؟ كيف يا أهل البجاحة ؟

على أية حال ، فإن الشعب المصري المسلم بالعقيدة والحضارة لن يعود إلى الوراء مرة أخرى ، لأنه حرر نفسه وإسلامه وكرامته ، ولن يسمح لطاغية أيا كان أن يخاطبه في استعلاء ويقول لهم : أنا علمتكم الكرامة !

من الغريب أن يتحالف الناصريون مع الفلول واليمين الرأسمالي الشرس والمتمردين الطائفيين لمواجهة الإسلام - الذي يسمونه بالإسلام السياسي - ووقف زحفه ووصوله إلى حياة الناس وتنظيمها وتطويرها وترقيتها ودمقرطتها .

إنهم يزعمون أنهم سيحققون العدالة الاجتماعية عن طريق الاشتراكية ، وينسبون إلى أنفسهم ما ليس لهم . ونسوا أنهم أمموا الناس في الستينات ليزيدوا الفقراء فقرا ويفقروا الأغنياء ، وتنشأ طبقة من اللصوص الجدد من لابسي البيادة وخدامهم ؛ تسرق وتنهب وتهرّب ما تسرقه إلى الخارج ، وفي ظل تكميم الأفواه والجدران لها آذان ، كان كل شيء يتم على ما يرام ضد مصلحة الشعب المظلوم الذي ذاق الظلم والعسف والقهر ، ولحقه العار والهزائم والخراب الاقتصادي والبؤس الاجتماعي وهيمنة المنافقين والأفاقين  .

لم أسمع من السيد صباحي أنه سيجلس مع جماعته الناصرية البائسة ، ويراجع معها سجلات العار والهزائم خالدة الذكر ، والاعتذار للشعب المصري عن جرائم الطاغية الأرحل وصبيانه من العسكر والمدنيين ، والانتقال إلى عصر جديد يؤمن بالحرية والديمقراطية وحق المسلمين في ممارسة إسلامهم وتطبيقه ،وهو حق تكفله مواثيق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان والعرف الاجتماعي والبشري .

ولم أسمع من السيد صباحي أنه سيحترم هوية الشعب المصري واختياره الديمقراطي الحر ، وأنه سيكون  معارضا وفقا لمنهج المعارضة السائد في العالم الديمقراطي .

الذي سمعته ورأيته أن الرجل يريد أن يمثل دور الزعيم والرئيس والحاكم الذي يملي إرادته على الشعب المصري ، ويفرض عليه أسلوبه الذي لم يعد متسقا مع الثورة الجديدة التي حررت المصريين من الكذب والإنشاء وسياسة " أنا مش خرع زي مستر إيدن " !

فخامة الرئيس حمدين صباحي أتمنى أن تقتنع والزمرة الناصرية التي لا تريد أن تسلم بالأمر الواقع ، أن الزمان اختلف ، وأن الشعب المصري لن يفرط في إسلامه وقيمه التي عرفت العدل والكرامة والحرية ؛ قبل أن يعرفها كارل ماركس وجورج واشنطن وشارل ديجول !

ليتك تتواضع قليلا ، وذكّر الناصريين بهذه الفضيلة التي يفتقدونها كي تستعيدوا بعض الثقة !