خالد يوسف يدافع عن الرسول!!

حسام مقلد *

[email protected]

أعرب المخرج السينمائي خالد يوسف  ـ بحسب بعض الصحف ـ عن استيائه الشديد من الفيلم المسيء لرسولنا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ووصفه بالخزعبلات التي لا تصدر إلا عن شخص حاقد أو مختل عقلياً، وطالب الأزهر الشريف بإصدار فتوى تجيز تجسيد الصحابة في الأعمال الفنية؛ ليتمكن من إنتاج فيلم للدفاع عن الرسول، كما دعا إلى التكاتف بين المسلمين والمسيحيين لحماية المقدسات وحرية العقيدة، وعدم التطاول على الأديان ومعتقدات الآخر.

وهذا موقف جيد ولا شك ينبغي الإشادة به والثناء عليه، لاسيما ونحن نريد إزالة مخاوف الفنانين من الإسلاميين، وفض الاشتباك المفتعل بينهما، فلا يمكن أن يكون الإسلام ضد الفن الهادف الذي يمتع الأنفس ويسمو بالأرواح، ولعل هذا هو عين ما أكده الدكتور محمد بديع )المرشد العام للإخوان المسلمين( للفنان عادل إمام على هامش احتفالات السفارة السعودية باليوم الوطني للمملكة.

ولكن هل الأستاذ خالد يوسف مؤهل فكريا وإسلاميا للدفاع عن نبينا وحبيبنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟!

فنيَّا لا شك أن خالد يوسف يمتلك رؤية إخراجية مميزة  ـ مع رفضي التام لإباحية أفلامه ـ وقد ترك بصمة حقيقية في فن السينما؛ لأنه قادر على التأثير النفسي في المشاهدين وتعبئتهم بأفكار عميقة (وربما فلسفية أحيانا...!!) من خلال مهارته العالية في تحريك الكاميرا وإتقان توظيفها كأداة ناطقة في موقع التصوير(Location) وتسخيرها بحرفية كبيرة لرصد كثير من الجوانب الإنسانية والعاطفية والوجدانية في الشخصيات التي يجسدها الممثلون.

لكن من الناحية الثقافية والفكرية والدينية فأزعم أن خالد يوسف لا يستطيع بتكوينه الفكري الحالي الدفاع عن رسولنا الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ من خلال عمل درامي ممتع ومؤثر؛ وذلك لأسباب جوهرية من وجهة نظري تتعلق بالمكونات الفكرية والثقافية لخالد يوسف نفسه، من أهمها:

1.    اختلاف المرتكزات الثقافية والحضارية التي ينطلق منها عن ركائز وأسس الحضارة الإسلامية العظيمة، فهو يتكئ على الحضارة الغربية المادية، وهي في جوهرها حضارة وثنية إغريقية رومانية رغم قشرتها المسيحية، وقيمها الفنية تختلف جذريا عن القيم الإسلامية، فمثلا ترى هذه الحضارة أن التماثيل العارية تُبرِز جمال جسد الإنسان، ويتفنن النحَّاتون في صناعة تماثيل النساء العاريات لإبراز مفاتن المرأة وأنوثتها، وعلى العكس من ذلك تماما يحرم الإسلام صناعة تماثيل ذوات الأرواح بشكل حازم درءا لمفاسد عظيمة قد تترتب عليها...!!

2.    انتماؤه لمدرسة ترى تعري المرأة وإبرازها لمفاتنها شيئا عاديا في الحياة، ولا مانع لديه من تصويرها عارية يضاجعها الرجال إذا اقتضت الدراما ذلك كما يزعمون، بينما الإسلام يهتم اهتماما بالغا بثقافة العفة والفضيلة والطهارة، ويحيط المرأة بهالة من التكريم والاحترام، ولا يعرِّضُها أبدا للامتهان لاسيما الامتهان الجنسي بهذا الشكل الفاضح، حتى ولو كان تمثيلا؛ لأنه أبشع أنواع الامتهان.

3.    زعمه أن المشاهد الجنسية الساخنة لا تثير إلا المرضى والمعقدين أو المحرومين جنسيا الذين يسهل استثارة شبقهم الجنسي، بينما يتفق الإسلام مع العلوم الاجتماعية والنفسية والطبية، ويرى أن هذه المشاهد الفاضحة تثير غرائز الشباب والفتيات، وبالتالي فهي تحض على الرذيلة، وهذا لا يخدم قيما ولا يصنع فنا راقيا!! ويحترم الإسلاميون النوازع الفطرية في الإنسان ولا يسخرون منها ولا يهيِّجون غرائز الناس ولا يثيرونها من مهاجعها؛ درءا للخطر وحفظًا لطهارة المجتمع وحمايةً له من الرذيلة.

4.    عدم تعمقه في الثقافة الإسلامية، وعدم إلمامه بأبرز وأرقى ما أبدعته الحضارة الإسلامية من رؤى وأفكار، فكيف لمن كان إلمامه سطحيا بهذه الحضارة أن يتفهمها أو يجيد الدفاع عنها؟! هذا فضلا عن عدائه المبدئي للإسلاميين، ورفضه القاطع للنموذج الحضاري الذي يدعون إليه؛ اعتقادا منه بأنه سيضر المجتمع المصري ويكون سببا في تراجعه وتخلفه!! 

5.    تشوش المفاهيم لديه، فالفضيلة عنده لا تتأثر باختلاط النساء بالرجال، بل في ثقافته الغربية يعدُّ تقبيل الرجال النساء ومعانقتهن علامة على الرقي والتحضر، بينما حرَّم الإسلام على المسلم أن يلمس يد امرأة أجنبية عنه، ففي الحديث الشريف، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "لأن يُطْعَن في رأس رجلٍ بمخيط من حديد خيرٌ له من أن يمس امرأة لا تحل له" (رواه الطبراني والبيهقي وصححه الألباني).

وختاما فأظن أن الكثيرين يرحبون برغبة السيد خالد يوسف في عمل فيلم راقٍ يدافع به عن الرسول دون تجسيد له ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولزوجاته أمهات المؤمنين، ولكبار صحابته ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ وأدعوه إن كان جادًا في رغبته أن يتخلَّص أولا من الصورة النمطية المشوهة التي يحتفظ بها العلمانيون والليبراليون وغيرهم عن الإسلام وقيمه وحضارته، وتحديدا نظرته للمرأة وللحريات الشخصية، كما أدعوه أن يتعمق قبل ذلك بعض الشيء في الثقافة الإسلامية الخالدة، وأن يتأمل الإبداع الفكري والحضاري الإسلامي في أرقى صوره.

               

 * كاتب إسلامي مصري