ماذا فعل الجنرال مارتن ديمبس في بغداد

د. ضرغام الدباغ

[email protected]

الجنرال مارتن ديمبسي رئيس أركان القوات المشتركة الامريكية  في بغداد، قادماً من أفغانستان، والمنطق يفترض أن يكون هناك رابط بين الزيارتين، بل لنقل الجولتين التفقديتين وعمل لأوضاع حالية أو لترتيبات مستقبلية، فرئيس الأركان لا يذهب ليتفاوض سياسياً، فتلك ليست مهمته، بل أن السياقات المهنية المنطقية تفترض، أن الاتفاقات هي حاصلة سلفاً على أيدي مسؤولين أمريكيين غيره، ومهمته كرئيس للأركان هي وضع الخطط قيد التنفيذ.

وديمبسي القادم من قاعدة باغرام من حقه أن يشكر الله، إذ فصلت ربما دقائق معدودة عن إصابة طائرته التي كان يزمع أن يطير بها إلى بغداد فأصيبت بينما هو في صالة الانتظار فحسب، وإلا كان مثواه الأخير سيكون في مقبرة آرلينجتون الوطنية بواشنطن، إذ فهو إذن يعرف طعم الأشياء، وكنهة التحضيرات، ومآلها السيئ والحسن، فسوء والتخطيط السياسي بالدرجة الأولى زجهم في فخ ومأزق أفغاني في مجاهل هندكوش، وهاهم يتلمسون بالكاد سبل وطريق العودة.

ومغامرتهم العراقية لم تكن أفضل حالاً، تلك التي قال عنها الرئيس  أوباما مختصراً المأساة  بجملة واحدة " لننسحب بحكمة كما دخلنا بحماقة " ولكن كما للدخول مستحقاته، فللخروج مستحقاته أيضاً، وهم بصدد مراجعة الساحة التي اقتحموها، وماذا سيكون دورها في المستقبل، وربما المستقبل القريب.

كنا قد كررنا أن الأمريكان لم ينسحبوا من العراق، بل هم أعادوا ترتيب أوضاعهم، بقطعات قليلة، وخبراء مقيمين، وقوات نخبة صغيرة ولكن فاعلة، وقبل كل ذلك اتفاقية استراتيجية تمنحهم الحق في تحركات سياسية وعسكرية واسعة، والحق في استخدام الأراضي والأجزاء والمياه العراقية، وعلى الأرجح فأن الجنرال ديمبس جاء بغداد للتأكد من دقة وسلامة المهمات المسندة والمحتملة لأوضاعهم في العراق.

الجنرال الامريكي عبر بكلمات بسيطة ولكن لها مدلولها. فالرجل لم يتحدث في السياسة، فليس مطلوب منه أن يحلل ويقرر،  بل هو أكد بناء على خارطة الحركات أمامه، بأنه مازال هناك دور مهم تلعبه الولايات المتحدة في العراق ولكن مع اختلاف الظروف. فعبر عن هذه المهمة بكلمات واضحة وصريحة قائلاً: انه مازال لدينا تأثير كبير ودور كبير نقوم به. وكرجل عسكري يختصر ما يريد قوله بكلمات كانت بليغة وتمنح الإشارات الكافية للدور المحتمل في بلاد الرافدين.

والساعة والنصف التي أمضاها مع السيد المالكي، لم تكن تدور بدرجة رئيسية عن عقود تسليح، فذلك اختصاص فني محض، ربما لم يأخذ سوى دقائق، ومن المرجح أن الموضوعات التي استأثرت بالاجتماع، وحتى اللقاء مع رئيس أركان الجيش العراقي، كان يدور حول أمرين رئيسيين: سوريا وإيران. ولم يسهو بيان السفارة الأمريكية في بغداد من الإشارة إلى أن بغداد شريك استراتيجي (وليس حليف)، والولايات المتحدة بتقديري هي اليوم في مرحلة تريث، لما قد تسفر عنه النتائج النهائية أو شبه النهائية لأحداث كثيرة تدور في كل مكان، من شمال أفريقيا، إلى سورية ولبنان، وإلى سيناء، وأفغانستان، والكثير من هذه الاحداث تدور خارج خطط الولايات المتحدة، أو فوق أو خارج تقديراتها وحساباتها.

مع أن الولايات المتحدة الأمريكية تبدو منهمكة بالانتخابات، ولكن من المستبعد أن تجري الأمور هناك بلا ربان في هذه المرحلة، فالدوائر الأساسية في الولايات المتحدة لا تعرف المواسم ولا العطلات، وما يدور اليوم في المنطقة وأرجاءها هو بالغ الدقة وذات انعكاسات مهمة جداً في السياسة الأمريكية حيال الشرق الأوسط، أو في العالم.

وكإشارات بهذا الصدد، لا نعتقد أن الولايات المتحدة قد نفضت أيديها من التحالف مع نظام الملالي في إيران، وإن كان حجم المزعجات كثير، والتحالف متعب مع الإيرانيين، ولكن فقدانهم كحليف، يفقدهم قوة تأثير تعمل لصالحهم في المنطقة إن بشكل مباشر أو غير مباشر، وإلا فما معنى أن يقول الجنرال الامريكي: أنه يعرف التأثير العراقي على سوريا ..؟ وما هو المغزي الحقيقي لتلك المؤشرات الغامضة عن علاقات بغداد مع طهران بصدد مساعدة طهران في الالتفاف على العقوبات المالية، هذه مؤشرات مهمة، والعلاقة بين شريكين استراتيجيين ينبغي أن تكون على قدر كبير من الثقة والمصداقية، عبرت عنها الولايات المتحدة بتزويد العراق ب 36 طائرة أف 16 وبالتحديد خلال شهر أيلول المقبل، وكيف سيعبر العراق عن التزامه بالشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.

القوى الغاشمة تكرر خطأها دائماً، فتقلل من شأن الشعوب، وترفع من قيمة المتعاونين معها، وبعد أن تحل الكارثة، يلعقون دمائهم وينسبون الأخطاء للأموات، والمثل الرائع يقول:

إذا حلت المقادير بطلت التدابير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المقال، جزء من مقابلة تلفازية مع إحدى القنوات العربية بتاريخ 22 / آب / 2012

واكد ديمبسي متحدثا لوكالة "فرانس برس" قبل الهبوط في بغداد، بانه مازال هناك دور مهم تلعبه الولايات المتحدة في العراق ولكن مع اختلاف الظروف.انه مازال لدينا تأثير كبير ودور كبير نقوم به، ولكن الان على أساس الشراكة. وانه جاء من اجل الحوار مع نظرائه العراقيين من اجل توسيع العلاقات العسكرية وليس لتقديم مطالب.

وبحث ديمبسى مع المالكى خلال محادثات استغرقت بينهما 90 دقيقة النزاع في سوريا ومصلحة العراق في تطوير التدريب مع القوات الامريكية وشراء معدات اميركية في مجال المعلوماتية خصوصا رادارات واسلحة دفاعية جوية وتجهيزات لامن الحدود. وبدورها ، اعتبرت السفارة الأمريكية في العراق زيارة الجنرال مارتن ديمبسي الى بغداد دعما للتنمية فيه كشريك استراتيجي

وجاء في بيان للسفارة الامريكية اليوم أن زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال ديمبسي تأتي كجزء من جهود الولايات المتحدة ضمن اتفاقية الإطار الاستراتيجي لدعم إستمرارية التنمية في العراق كشريك استراتيجي يساهم في السلام والأمن

وكان ديمبسي قال قبل هبوط طائرته في بغداد بانه لن يضغط على الحكومة العراقية بشأن التقارير الصحافية حول السماح لايران بنقل امدادات الى النظام السوري عبر الأراضي العراقية او مساعدة طهران في الالتفاف على العقوبات المالية..

وتابع "لا انوي ان اساله على وجه التحديد ان كان لهم دور فعال في الشأن السوري".

ولكنه اشار إلى احتمال تهريب اسلحة عبر المناطق الصحرواية في غرب العراق الى سوريا بدون توجيه من الحكومة العراقية. واوضح انه "ليس من المستبعد أن تحدث امور في المناطق الغربية الحدودية من العراق دون معرفة الحكومة، وهذا ممكن تماما ولا اعرف ان كان هذا سيرد في طار مباحثاتي اليوم".