سوريا أم فلسطين؟

سوريا أم فلسطين؟

مجاهد ديرانية

يأخذ علينا بعض الناس استغراقَنا بدعم الثورة في سوريا واستنفارَ الأمة لدعمها، ويقولون: هل نسيتم فلسطين؟ لماذا لا تصنعون لها مثل ما تصنعون لسوريا؟ أم أن سوريا أثمن من فلسطين؟

أكثر الذين يقولون المقالة السابقة مخلصون صادقون غيورون وقليل منهم كاذبون مُغْرضون، ليس لهم هَمّ سوى تخذيل الثورة السورية وبيع الأوهام على حساب فلسطين وأهل فلسطين الكرام. هؤلاء لا تبالوهم ولا تشغلوا بهم أنفسكم، أما الأوّلون الصادقون فيستحقون توضيحاً يزيل اللبس ويُذهب العتب من القلوب.

لقد أثبت المسلمون على الدوام أنهم أمة واحدة، وإن أُخُوّتهم ووحدة حالهم وهمّهم لَتظهر جليّة واضحة كلما نزلت ببعضهم نازلة، فتراهم ينهضون نهضة الجسد الواحد ويتعاطفون ويقدمون ويبذلون. أما فلسطين فإنهم قد ندبوا أنفسهم لنصرتها منذ كَرَثتها كارثةُ العدوان اليهودي الأثيم وما يزالون  إلى اليوم، فهي في القلب أبداً وهي في المقدمة على الدوام. لكن النار في فلسطين هادئة أو كامنة، فهي تثور حيناً وتخبو في غالب الأحيان، فإذا ما اشتعلت هاج المسلمون في أدنى الأرض وأقصاها وتفجرت عواطفهم وتسعّر غضبهم ولم يبالوا بشيء سوى الانتصار لها والفزعة لأهلها، وإذا خبت سكنوا وانتظروا البركان الآتي ليثوروا متى ثار.

وهذا شأن المسلمين مع كل نازلة تنزل بأي من إخوانهم أينما كانوا. ألا ترون أن الصينيين يحتلون تركستان منذ قرن ولا تُذكَر حتى كادت تُنسى؟ فما هي إلا أن تعرض المسلمون هناك إلى العدوان حتى اضطربت الأمة في طول العالم الإسلامي وعرضه، وعادت مأساة المسلمين التركستانيين حية طرية كأنما احتلها الصينيون والروس بالأمس القريب. وانظروا إلى انفعال المسلمين في هذه الأيام بمأساة إخوانهم الروهنجيين في أركان. وهل نسيتم ما صنعنا يوم عدا العدو على غزة الصامدة قبل أربع سنين؟ لم يبقَ أحد ممن أعرف إلا استنفر نفسه وأهله وترك دنياه وتحول إلى آلة تتحرك من أجل فلسطين، استنهاضاً للهمم وجمعاً للمال ونشراً للدعاية واستغراقاً في الدعاء، حتى كشف الله الغمّة عنها ورد الأعداء خاسئين خاسرين.

إن سوريا وفلسطين شريكتان في المعاناة، إلا أن واحدتهما أشد معاناة من الأخرى. فلسطين تعاني من الاحتلال وسوريا تعاني من الاحتلال؛ سقطت فلسطين قبل أربع وستين سنة وسقطت سوريا قبل تسع وأربعين سنة، أما السؤال عن الاحتلالين أيهما أكثر إجراماً وعن الشعبين أيهما أعظم معاناة فجوابه متروك لذكاء الأذكياء. فلما سكت السوريون وسكنوا لم يُطلَب الانتصار لهم من أحد، ولبث الأمر كذلك ما لبثوا هم ساكنين ساكتين، حتى إذا ثاروا أخيراً على العدو الذي يحتل بلدهم وأعلنوا النفير تغيّرت الحال، فوجبت النصرة وحق الجهاد؛ لا أقول بالنفس فإن في سوريا من الرجال ما يكفي للنزال، وإنما بالمال، فقد عزّ المال في أيدي السوريين وقَلّ حتى كادت ثورتهم تُؤتى من نقص المال لا من نقص الرجال.

يا ذاكرين فلسطين اليوم: اعلموا أنّا معكم لها ذاكرون وأنها الهَمّ الكبير لنا وللمسلمين أجمعين، ولكن اعلموا أن الحرب مع الباطل جولات وأن الجولة الحالية هي المعركة على أرض الشام، واعلموا أن عصائب الحق تخوض المعركة هناك بالنيابة عن الأمة وعن المسلمين أجمعين، فإن تنتصر هذه العصائب انفتح الطريق إلى بغداد والقدس وتحررت العراق وتحررت فلسطين، وإلاّ تفعل -لا قدّر الله- فلن ينفتح الطريق إليهما في العدد العديد من السنين.

يا أيها المسلمون: انصروا اليوم سوريا تنصروا -على الأثر- العراقَ وتنصروا فلسطين.