أين أخطأ الأسد وأين أصاب

أين أخطأ الأسد وأين أصاب

د. ضرغام الدباغ

[email protected]

الموقف في سوريا بلغ درجة من الوضوح يتيح لنا أن نقيم جرداً ابتدائياً عن موقف بدأ بكتابات صبية على الحيطان، وانتهى بثورة لا يستطيع جيش عرمرم على اختلاف صنوفهم من المخابرات والأمن وشبيحة،  بالغ النظام في اختيارهم بعناية لهذا اليوم الموعود، ومرتزقة جاؤا من خارج الحدود لنجدة تيتانيك، بعضهم تجشم عناء سفر طويل، ومع الكل ألوية دبابات وميكانيكية وقوات خاصة، وحرس جمهوري وطائرات مروحية وطيران حربي مقاتل / قاصف، والله يعلم ماذا بعد ..... كل هؤلاء وهذه الهلم هزمهم الطفل حمزة الخطيب .

عجباً .... كيف ...؟

النظام يحلو له أن يردد بقلة شطارة، أن النظام قوي وإلا لما صمد، سمعت هذه الجملة من عناصر قيادية في النظام وإعلاميين شبيحة، ولا يقولون كما بالاحرى لهم أن يقولوا( ولكن ذكائهم خانهم في هذه اللحظة بالذات) كيف صمد هذا الشعب الاعزل لما يزيد على السنة والنصف ...؟

هو نظام عائلي، فلم يستطع أن يتجاوز هذه الحقيقة، نظام حاول أن يكون مفيداً لأهم القوى في المنطقة وغير المنطقة، ولكل من له ناب وظفر، أمن إسرائيل وهذا سر الأسرار، ولم يعاكس الامريكان، بدا ودوداً للصينيين فيشتري منهم  وهذا جل ما يريدون، طمأن الإيرانيين أنه يصلح أن يكون جسراً ومعبراً، طمأن شهية الروس للمياه الدافئة، ولكنه فشل في أن يطمئن شعبه.

والنظم العائلية، وهي متكررة في التاريخ، رغم أن النسخة الاسدية لا تقاس بفشلها بسابقاتها من التجارب، الأنظمة الأسرية تبدأ بطرق متشابهة وتنتهي بسيناريوهات متشابهة. ضرب من السعي وراء نفوذ باستخدام القوة والبطش مع الخصوم، وإبداء النعومة المفرطة مع الاقوياء. إلى أن يجد النظام وقد أحكم إغلاق كافة الشبابيك والأبواب بيديه، ولكن ليكتشف متأخراً أنه بذلك خنق نفسه بنفسه.

النظم العائلية تعيش جيلاً أو جيلين فقط، ثم تبدأ مرحلى الاهتراء بعد رحيل مؤسس العائلة، وبعدها تحل مرحلة تنازع النفوذ رغم ما تبديه العائلة من مظاهر الضبط والالتزام بكلمة الرئيس، ولكن في واقع الأمر أن تحت غطاء القدر تدور عمليات أخرى، وظاهرة تدخل النساء ودسائسهن معروفة وشائعة في النظم العائلية.

اليوم أو غداً، الأمر سيطرح نفسه هكذا، الثورة التي طالت واستطالت لشهور امتدت لأكثر من 18 شهراً، ترى لماذا لم يستطع النظام معالجة الموقف، شهور طويلة مرت كان بالإمكان فعل أحسن مما كان، النظام امتلك فرصاً لو تدراكها، لربما كان لنا اليوم حديث آخر، ولكنها عباءة مهترئة. بشار يسحبها لصوب، وآصف لصوب، وماهر لصوب، وبختيار لصوب، ولم يصب فيهم أحد الصواب، لماذا ....؟

برأس بارد نستطيع الفحص والتمحيص في هذا السؤال العويص ونقول ......

أولاً : النظام أعتقد وهذا خطأ متوسط الحجم، أن الخطب بسيط ولا يتعدى أولاد مدارس درعا، يقدر أبن عمتنا العبقري عاطف نجيب على تأديبهم، ومع ان الأمر ليس ببسيط، لأنه ببساطة يشير أن النظام يشير في الطريق الخطأ لعقود طويلة عندما أدخل نظم تعليم تحيل البشر إلى روبوتات آلية وببغاوات تمجد السيد الرئيس القائد. وأن السد العملاق ينهار من حفرة بقدر رأس الابرة، اليوم تظهر الاخطاء الكارثية لنظام تمادى في احتقار البشر، وما نشهده اليوم ثأر البشر لذل طويل.

ثانياً: النظام أعتقد وهذا خطأ كبير الحجم، أن بوسعه أن يستنسخ حماة 1982، وفاته أن الدنيا تغيرت كثيراً، ومع أنه أبن هذه الدنيا وهذا اليوم، ولكنه فكر بعقل الأمس. وقادة نظام اليوم كانوا أطفال أو صبية يوم حماة 82، وهم معاصرين للكومبيوتر والفيسبوك والتويتر، والانترنيت، وما شابه من هذه الأدوات التي منت بها الإنسانية على شعوبنا، وأن ما يصح في 82، لا يصح بعد ثلاثين من الأعوام .

ثالثاً: النظام أعتقد وهذا خطأ ضخم في حجمه، أن بوسعه أن يقلد الروس وما فعلوه في الشيشان، وهذه خطيئة يصعب إصلاحها. لأن الأمر مختلف شكلاً وموضوعاً، زمناً ومكاناً.

رابعاً: النظام أخطأ، وهذا خطأ بنيوي فادح، في اعتماده على مؤسسات أنفق عليها الكثير حتى بلغت درجة كبيرة من المناعة والقدرة، ولكن المشكلة أنها تعاملت مع الشعب وكأنه العدو رقم واحد، ولا يوجد بعده عدو. وفي اعتماده المطلق عليها، شعر رجال الليل أن البلد بيدهم، وأنهم الحكام الفعليون، ونشأت مغارات علي بابا والأربعة ألاف وأربعة وأربعون حرامي ولص في دهاليز في هذا الجسم الفاسد المتعفن المخالف للمنطق وللحياة فكان، ما كان من قراءات خاطئة .

خامساً: النظام أخطأ بأن وضع نفسه في معسكر والشعب في معسكر آخر، وهذا خطأ جسيم أورده قرارات خاطئة تترى، تلاحقت واحدة أثر الأخرى، أخطأ النظام بوصف الحركة بالجراثيم، فحرم على نفسه العمل والتفاوض معها، وصفهم بالمجرمين فقطع طريق الحلول الشرعية، النظام وضع كمامة على عينيه لا يرى إلا الألوية المدرعة والشبيحة ورجال القمع الدموي، وسد أذنيه حتى عن نصائح لجهات وشخصيات كانت مخلصة فيما توجهت وما طلبت، ولم يعد يسمع سوى ... منحبك ونموت عليك ... ولكن بعد أن وقع الفاس على الراس لم يعد للنصيحة مكان في بلد تحول بأسره إلى مسلخ، يغتسل  بالدماء صباح مساء.

سادساً : النظام أخطأ بأن وضع عنقه في نير فدان العجم، فهؤلاء لا يبحثون إلا عن مصالح الشعب الفارسي، التحالف بحد ذاته ليس خطأ وكذلك الصداقة،  ولكن على قدر أهل العزم تأتي العزائم، ولهذا يتهافت السياسي الحكومي السوري بلا حياء ضد شعبه أمام الوزير الإيراني الذي يبيع كلماته بالمثاقيل، فيبدو هذا أمامه بشحمه ولحمه، وكأنه ريشة في مهب الريح، فوا أسفاه.

ثامناً : النظام ورأس النظام أخطأ أنه إذا تزوج من حمصيه فهذا يسمح له بأن يدمر حمص، وفاته أن الشعب يدرك كيف أن النظام تخلى عن الحزب الذي أوصله وصنع منه ومن أبوه شيئاً، امتهنوا الحزب وأهانوه ثم صادروه، واستخدموا أسمه بغير حق، وليس بوسعنا أن نقول سوى: الخير في ما أختاره الله، ورب ضارة نافعة.

تاسعاً : النظام أخطأ عندما خالف نظرية سياسية سورية شهيرة : فلم يبق للصلح مطرح، فحتى السفن العملاقة التي تمخر المحيطات بفخر وشمم، تحتفظ بزوارق ولو صغيرة للنجاة في ساعة الضيق، فحشر نفسه في زقاق ضيق، فطفق يقامر بأي شيئ، دون أن يبقي بين يديه أي شيئ، حتى خسر كل شيئ.

عاشراً : النظام أخطأ بتعدد المراكز، وكثرة من يضعون يدهم في القدر، هذا يضع ملحاً على الجرح، والآخر يحرقه بالبهار، وآخر يضيف سماً زعاف وآخر يلعب بالملاعق والأشواك، وآخر بالسكاكين حتى جرح يده بنفسه، فغدت القصة كلها من ألفها إلى ياءها، مهزلة العصر والزمان، ومن المؤسف أن تنحدر أمور سورية التي عرفت برجالاتها وحكمائها إلى هذا الدرك الأسفل. الروس لهم رؤيتهم وما يريدون هو البحر المتوسط، والإيرانيون يرونه جسراً خشبياً يلعب فوق النهر المزمجر، ويراه حسن نصرالله طوق الخلاص، الكل يلعب على الوقت لعبة المصالح، إلا النظام يلعب لعبة غيره، وهو سبب ضعفه، أما لعبته فقد فسدت منذ زمن بعيد، وأخذ يلعب ألعاب لا تعرفها سورية.

هذه عشرة أخطاء، وسأدع لغيري أن يكتب أين أصاب النظام، ولا حول ولا قوة إلا بالله.