التعالم في المجتمع

التعالم في المجتمع

أشرف سليم

[email protected]

تكثر في الأونة الأخيرة ظاهرة التعالم في المجتمع , الكل يعرف , و الكل يعلم , و صار الجميع علماء و عارفين بخبايا الامور و الظواهر التي تحتاج إلى التفسير العلمي و التحليل المنطقي و الحجة و الدليل , فحين تسأل في الدين تنهال عليك الإجابات التي تكون أحيانا صورة مستنسخة عن شيخ فلاني سُمع في شريط , أو عن قول مبتور قرئ من كتاب , أو عن هوى و محض تخمين , أما حين تسأل في السياسة الكل خبير استراتيجي و محلل سياسي و مالك للحقيقة .

هذا الهوى و الهذيان يسري على كثير من الناس اليوم بمختلف أعمارهم و درجاتهم العلمية ضاربين  الاختصاص بعرض الحائط, و أن المسائل التي يُسأل عنها هناك اناس مختصون درسوا اغلب عمرهم كي يجيبوا عن مثل هذه الاسئلة السهلة عند اصحابنا .

الادهى في ذلك ان التعالم وصل حتى الى الطب حين ترى اناسا ينصبون انفسهم اطباء و يفتون في مسائل من اختصاص شخص درس اكثر من عشر سنوات بعد الباكلوريا في الطب كي يعالج المرضى و ذوي العاهات .

هذه الظاهرة اذن حَرية بالنظر و الدراسة , خصوصا انها متفشية بشكل واضح في مجتمعنا ,فما احوجنا لدراسات تكون سوسيونفسية لمعالجة هذه الظاهرة , فهناك مثل سائر بيننا ان هناك شيئين يتكلم فيهما العالم و الجاهل , و كل من هب و دب , و هما الدين و السياسية .

ففي الدين ترى شبابا  حديثي العهد بالتدين و الالتزام ربما لسنوات قليلة , او ربما لشهور لا تعدو على الاربعة او الستة , بعدما قرأوا القرآن و استمعوا الى بعض الدروس الدينية , صاروا يفتون في النوازل التي تعرض عليهم , و ترى منهم تعصبا و صدا حول ما يقولون اذا ما نوقشوا حول ما يهرفون , خصوصا ان الفتوى لها معاييرها و ضوابطها و شروطها , و التي لا تتيسر الا للذي بلغ من العلم نصيبا وافرا , و شهد له بالكفاءة العلمية من معشر علماء الدين الاسلامي المعتبرين , أما في السياسة فحدث و لا حرج , فالكل يعلم ما يقع في سوريا او لبنان او مصر و المغرب , و الكل يُخون او يمجد , بل هناك من يقطع المجال بالشك بخصوص تحليلاته السياسية التي يبوح بها , علما ان اغلب كلامهم نابع فقط من الهوى و ما تجود به قرائحهم التعبيرية و التي تكون مدعومة ببعض الاحداث التاريخية المتناثرة و ايضا بعض الشهادات التي يستقونها من قراءاتهم اليومية لبعض فتات مقالات الجرائد في المقاهي العمومية .

هذا ما يسميه الباحث السوسيولوجي عبد الرحيم العطرتي بالاجابة السريعة التي تفشت في مجتمعنا , و سببها بطبيعة الحال هو التعالم و القول في الاشياء بغير علم ,خاصة و ان ذيوع الانترنيت و ما يوفره من الوصول الى المعلومة  باسرع وقت و باقل جهد , هي عوامل تساهم في تعاظم ذلك , و تكاثره في مجتمعنا .

قديما كان المغربي رغم سذاجته و اميته لكنه كان يحترم الاختصاص في المسالة , رغم ان ثقافة المغربي التقليدي  غير المتعلم في المدارس مثل اليوم تفوق ثقافة متعلمي المدارس و خريجيها  اليوم, يحكي الدكتور المقريء ابو زيد الادريسي ان فرنسيا في زمن الاستعمار ضل في وسط غابة ظلماء فاهتدى الى خيمة بها نور , فعلم ان بها رجلا مسلما مغربيا , فساورته الحيرة ايذهب اليه و يطلب منه المساعدة و العون أم يبقى في تلك الغابة الموحشة فيكون فريسة للوحوش , فاختار اخف الضررين بالنسبة له فقصد خيمة المغربي , و كان ان هذا الفرنسي دهش للترحاب الذي قوبل به من لدن هذا المغربي و ان ظنونه كانت غير صحيحة , فما كان منه الا ان اشهر اسلامه على يده , و حين طلب الفرنسي منه ان يعلمه الدين الاسلامي وجهه الى مدينة فاس مدينة العلم و العلماء في ذلك الوقت ففيها علماء مختصون يعلمون الناس الدين الاسلامي .