الشاعرة والأذان

الشاعرة والأذان!

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

كانت الشاعرة تلقي شعرها على المنصة في أحد الأماكن الثقافية التابعة لوزارة الثقافة ، سمعت صوت الأذان يأتي عبر مكبر الصوت من المسجد المجاور ، فتوقفت لتردد النداء ، ولكي لا يشوش صوت المؤذن على إلقائها . .

باغتها صوته المتغطرس :

- اقرئي ، أو انزلي !

كان المسئول عن المكان الثقافي يتصرف بصلافة وعنجهية . يعد نفسه صاحب المكان ، وليس مجرد مسئول ضمن آخرين في وزارة تابعة للشعب المصري الذي ينفق عليها وعلى التابعين لها . وكان موقفه الغريب المستفز دافعا لإثارة الحاضرين الذين استهجنوا سلوكه باستثناء صبيانه وأتباعه الحظائريين الذين دافعوا عنه واتهموا الشاعرة بأنها ليست شاعرة ! دائما عند ما يتورطون يتهمون الآخرين بأنهم غير موهوبين وغير أدباء وغير شعراء !

المسئول المذكور يرفض كل من ينتمي إلى الإسلام بل إلى أية قيمة من قيمه . وقبل سنوات رفض أن ينشر قصيدة لشاعرة محجبة في المجلة الثقافية التي أُقطعت له من الحظيرة الثقافية .

لقد طلب من الشاعرة المحجبة أن تخلع حجابها كي ينشر لها قصيدتها . المعيار الذي يعتمده للنشر في مجلته ليس هو المعيار الفني الأدبي ، ولكنه معيار آخر أيديولوجي استبدادي ، إنه معيار يعتمد على مدى القرب أو البعد عن الإسلام ، فمن يقترب من الإسلام ليس أديبا ولا شاعرا ، ولا مكان له في مجلته حتى لو كان الشعب المصري المسلم هو الذي ينفق على المجلة والعاملين فيها ومنهم حضرته .ومن يبتعد عن الإسلام شكلا وموضوعا فهو الذي يفوز بالنشر في المجلة التي تصدر في دولة إسلامية !

الإقصاء والتهميش والتعتيم نصيب الإسلاميين وغير الموالين ولو كانوا في منزلة المتنبي والجاحظ ، أما الشيوعيون والماسون واليساريون وأشباههم فهم في أرفع مكانة عند المسئول الحظائري ، ولو كانوا لا يحسنون الإملاء والنحو والصرف والبلاغة !

ولأن المسئول الحظائري كان شاعرا في مقتبل شبابه ولديه مسحة من موهبة فنية ، فقد تاجر بذلك ، واستثمره في تحولاته الغريبة بل المشينة على مدى عمره الطويل، فضلا عن إحساسه بالدونية لأنه يحمل مؤهلا دراسيا متواضعا ..

لقد كان في بداية حياته ضمن الإخوان المسلمين أوائل الخمسينيات ، وعندما لم يجد لديهم مبتغاه من الشهرة والكسب المادي انتقل إلى الشيوعيين ، فعينوه في صحفهم وأتاحوا له قدرا من الشهرة المحدودة ، ثم وجد أن صحفيا مصريا بعثيا مشهورا قد يحقق له مزيدا من الشهرة والكسب المادي ؛ فشد الرحال إليه ، وعرف طريقه بعدئذ إلى القيادة القطرية لحزب البعث في دمشق ، وعندما تمكن صدام حسين التكريتي دعاه إليه  ، وكانت عطاياه مغرية ، فترك صاحبنا البعث السوري ، وانضم للبعث العراقي الذي أغدق عليه وعلى بعض أقاربه ، ويسر له منحة علمية لزوجه لتدرس فن الطرب والسماع في عاصمة النور في باريس، وكان ذلك موافقا لما جرى في  عهد السادات وهجرة الشيوعيين واليساريين وأشباههم إلى أوربة ، وكانت فرصة ذهبية لكسب المزيد من الدولارات والفرنكات والإسترليني من خلال العمل في صحف المهجر التي مولتها دول النفط في الخليج والشمال الإفريقي ، فضلا عن فرصة العمل في تعليم اللغة العربية للهواة من غير العرب في السوربون بفرنسا ، حيث يستطيع مثله ممن يحملون دبلوم المعلمين أن يعلم الأبجدية ويقرأ بعض الشعر القديم والحديث على الدارسين!    

كما كانت هناك – وهذا هو الأهم - فرصة لصاحبنا أن يقوم بمهمات أمنية خاصة ، وأن يزور السادات أكثر من مرة في استراحته بالقناطر الخيرية ، وأن يغضب منه بعض زملاء المهجر اليساريون الذين كانوا يطلقون على أنفسهم ( الطيور المهاجرة ) التي " طفشت " بسبب تضييق السادات عليهم!

عاد المذكور إلى البلاد في أوائل عهد المخلوع ليكون واحدا من أبرز الحظائريين في وزارة الثقافة المعادية للإسلام والمسلمين ؛ وتفتح أمامه الصحف الكبرى وصحف الضرار، بالإضافة إلى الإذاعة والتلفزة ، وليكون مقربا من الحاكم الظالم المستبد وعونا له في محاربة الإسلام وعلمائه ، على مدى ربع قرن أو يزيد !

هذا الشخص الذي يدعي الاستنارة والديمقراطية ظهر على شاشة قناة تلفزيونية طائفية بمناسبة اختيار رؤساء تحرير الصحف القومية  ، فأهان اللجنة ومجلس الشورى ، وراح يفتح صدره مثل بلطجية الحارات ، ويسب الإسلاميين الفائزين في الانتخابات ، ويصفهم بأنهم أنصاف متعلمين ( رمتني بدائها وانسلت !) ، ويطالب بكنسهم من الحياة السياسية والمجتمع ، وإقامة ديمقراطية على مزاجه ومزاج من يمثلهم في الواقع السياسي الفاسد !

هل نستغرب بعدئذ أن يقوم حضرته بنهر الشاعرة التي وقفت احتراما للأذان ، وأن يطلق عليها صبيانه للتقليل من موهبتها وقيمتها الشعرية ؟

لا ريب أن المذكور يتجاهل أن مصر المسلمة تغيرت بعد الخامس والعشرين من يناير 2011، وأنها تسعي إلى اقتلاع الفساد والفاسدين ، وأنه واحد من عناصر الفساد والإفساد الثقافي على مدى ثلاثين عاما ، فقد نهب ما لا يستحق من أموال العزبة السايبة التي تسمى وزارة الثقافة ، ووصل به الانحراف إلى منح نفسه جائزة مؤتمر الشعر وقدرها مائة ألف جنيه من أموال الفقراء الكادحين البائسين الذين كان يتكلم باسمهم في يوم بعيد .

أضف إلى هذا الفساد المعنوي المتمثل في حملته المجرمة على الإسلام وتشويهه ومحاربته لكل من يدعو إلى الله في أكثر الصحف والفضائيات انتشارا !   

ترى هل يستمر الفساد الثقافي طويلا!