شبيح لبناني كبير ونظام يترنح!!

ياسر الزعاترة

من المؤكد أن الوزير والنائب السابق ميشال سماحة لم يتخيل إمكانية إلقاء القبض عليه ومن ثم الوقوف أمام النيابة والقضاء، ولو شك لحظة في أن المخطط الذي كان يديره سيكشف لما تورط فيه، لكنه اعتقد أنه يتعاون مع نظام ضليع في تخطيط الاغتيالات وتنفيذها دون أن يترك أثرا خلفه.

سيرة النظام السوري الأسدي بحقبتيه (الأب والابن) طويلة وزاخرة في سياق الاغتيالات التي طالت رموزا سياسية ودينية وإعلامية، وجميعها سجلت ضد مجهول، ربما باستثناء جريمة الحريري التي اكتشف منفذها، وتبين للمفارقة أنه لم يكن النظام السوري، وإنما عماد مغنية بطلب إيراني سوري كما تشير التحقيقات الدولية ومعها التحليلات السياسية، فيما يبدو أن نظام بشار قد تخلص منه (أعني مغنية) عبر تسريب مكان وجوده للإسرائيليين، ربما لأنه الوحيد المطلع على معرفة بشار بقرار الاغتيال.

ليس هذا موضوعنا، فنحن نتحدث عن وزير ونائب مسيحي تورط في مخطط إجرامي كبير وواسع النطاق كان يعتقد أنه مُعد بعناية، تماما مثل سائر العمليات الأخرى، ولن يتمكن أحد من كشفه بأي حال، لكن الأقدار كان لها رأي آخر، إذ وقع الرجل لسبب أو لآخر في المصيدة، وانكشف المستور، وتبين للقاصي والجريمة حجم المخطط المعد، والذي وصفه الرئيس اللبناني بأنه “مرعب ومخيف”.

هو حقا مرعب وخطير، ليس بسبب حجم وأهمية الأسماء المدرجة في قائمة الاستهداف والاغتيال، بل لما ينطوي عليه من بث للفتنة الطائفية والمذهبية في لبنان، وكل ذلك من أجل التخفيف من الأزمة التي يعيشها النظام السوري في مواجهة الثورة التي تحولت مسلحة منذ شهور، وإن لم تفقد زخمها الشعبي بعد.

إنه نظام مجرم لا يتورع عن ارتكاب أبشع الجرائم من أجل مصلحته وبقائه، وقد قيل إن سماحة نفسه قد أجهش بالبكاء عندما أدرك حجم البشاعة التي ينطوي عليها المخطط الذي كان يشارك فيه بشكل رئيس، مع أن أمثال هؤلاء الشبيحة لا تعنيهم أرواح الأبرياء بأي حال.

مخطط سماحة الإجرامي لن تكون تداعياته حكرا على الرجل والمتورطين معه في الجريمة، وإنما ستطال التحالف الحاكم برمته، ومن ضمنه التيار العوني الذي لن يجد ما يبرر به التعاون مع النظام السوري أو الدفاع عنه، فضلا عما ينطوي عليه ذلك من أحاديث تمس المسلمين السنة حين يتحدث عن إخوانهم في سوريا بروحية الاتهام بالتطرف الديني.

أما العبء الأكبر فيقع على كاهل حزب الله الذي وضع بيضه في سلة النظام السوري (تبعا للموقف الإيراني بالطبع) ودافع عنه بكل ما أوتي من قوة، بل لم يعد سرا أن تعاونا أمنيا وعسكريا بين الطرفين قد أخذ يتحرك على الأرض كما أشارت مصادر عديدة ليست كلها من المعارضة السورية.

الحزب لم يفكر في مناقشة التهم المنسوبة لميشال سماحة، وإنما شرع في مهاجمة الاتهامات والمؤامرات التي تحاك ضد قوىً بعينها في الساحة اللبنانية، والأسخف أنه راح يتحدث عن الإجراءات الشكلية لعملية الاعتقال والتحقيق والتفتيش متجاهلا بشاعة المخطط الذي كان يتحرك على الأرض.

بعد ذلك، وعندما اتضح المخطط وأنه لم يكن محض تلفيق تراجع الحزب وتنصل من تصريحات نائبه الأشهر (محمد رعد)، لكنه لم يخفف عبر مقربين منه من لهجة التهوين والتشكيك التي يحاول من خلال التقليل من شأن المخطط، فضلا عن اعتبار القضية كلها جزءا من مخطط استهداف سلاح المقاومة!!

إنها قضية تفضح الأبعاد السياسية اللاأخلاقية التي بدأ الحزب التعامل بها خلال الآونة الأخيرة. هل ننسى كيف تعامل مع قضية العميل الصهيوني الكبير فايز كرم (مساعد الجنرال عون) الذي حكم بثلاث سنوات فقط خفضت لـ27 شهرا خرج بعدها محمولا على الأكتاف كأنه بطل قومي!!

إن أية بلاغة يجترحها أمين عام حزب الله في خطبه التي تكاثرت على نحو رهيب منذ اندلاع الثورة السورية لن تكن قادرة على إخفاء عمق الأزمة التي حشر فيها نفسه وأدت إلى خسارته غالبية جماهير الأمة (أعني المسلمين السنة)، وها هي قضية ميشال سماحة تقبض عليه متلبسا بجريمة التناقض والتستر على مجرم كان في طور تنفيذ مخطط فتنة رهيب في الساحة اللبنانية؛ والأهم التواطؤ مع نظام مجرم هو المسؤول الأول وليس سماحة (حرج القضية ربما ساهم في عدم تعليقه عليها إلى الآن).