سيدي الرئيس القادم 1

عبد السلام البسيوني

سيدي الرئيس القادم 1

عبد السلام البسيوني

[email protected]

 لست منجمًا، ولا أتوقع شيئًا، خصوصًا مع وجود تعابين أمن الدولة، وضباع الفلول، ومؤامرة اللحظة الأخيرة التي أدخلت عمر سليمان الانتخابات يومًا، ثم أدخلت شفيق، وسمحت لعمرو موسى، ومع التسيب الذي سمح لكثير من الذيول الخسيسة من (البرطعة) في البلد، وانتهاب الأرواح والدماء والأموال، وجرأة بعضهم أن يقول للناس إنه يستطيع أن يجعل البلد تأمن خلال ساعات، كما يشعلها خلال ساعات – دون حياء، ولا خوف من محاسبة في الدنيا أو الآخرة - والذي سمح المساجين البهوات الكبار أوي في طرة أن يديروا البلد من الزنازين، ويجعل المجلس السنكري دون ملامح ودون إرادة كاملة!

 ومع خوفي أيضًا من تدخل الأفاعي الخارجية من تل أبيب وواشنطن وموسكو وبكين وعدد من بعض العواصم العربية (اللي عاملاها على نفسها) من الربيع الزاهر إن شاء الله، المستعدة لدفع مليارات ممليرة لإعادة مبارك وسليمان ونظيف وسرور لمقاعدهم السابقة!

 أعرف هذا جيدًا سيدي القارئ، لكن لا مانع أن أحلم هذه الأيام أنني شجاع، وأنني أقف بين يدي رئيسي الجديد، وأقولها له جلية بيضاء بلقاء:

 يا سيدي الرئيس ألف (مبروك) الكرسي، جعلك الله في حجمه، وعلى مقاسه، وجعلك تشريفًا له، ولم يجعله تشريفًا لك؛ بل تكليفًا، وواجبًا، ومسؤولية، وأعانك على ما ابتلاك به، ورزقك بطانة الخير التي تعينك على طاعة الله وصالح مصر والأمة كلها.

 سيدي الرئيس الجديد: إذا فكرت أو اعتقدت أو خططت أن (تكون لزقة) أكثر من دورة – أو دورتين إن كنت مميزًا وعادلاً – فأسأل الله أن يعجل لفخامتك بمصيبة كاسحة، وأن يأخذ سيادتك أخذ عزيز مقتدر، وأن يبتليك خلال شهرين بألزهايمر كالذي ابتلى به ريجان، فقد تعبنا من الوجوه (المزمنة) وأرهقنا الاستبداد و(التبليط) وكفى مصر وجوهًا صفيقة، وأقفية عريضة، ورؤساء خونة!

 سيدي الرئيس الجديد - أيًّا كان اسمك وتاريخك، وأسأله تعالى ألا تكون فلاًّ، ولا بلطجيًّا سابقًا، ولا زعيم عصابة، ولا صنيعةً عميلًا مجرمًا كمن سبقك – أعانك الله تعالى على ما ابتلاك، فأنت تحمل التاريخ والجغرافيا، والماضي والحاضر والمستقبل، والهوية، والأمن، والازدهار لتسعين مليونًا على الأقل هم مواطنو مصر، عدا ما ينتظر العالم من دور فاعل محوري مؤثر لبلدي..

 سيدي الرئيس الجديد: إذا ظننت أنها صفقة تنالها بمخادعة الناس، والتقنع بقناع النزاهة، والوطنية، والديمقراطية، ثم تكون عسكري العقلية، بلطجي الروح، جلاد الطبيعة، سفاحًا منتقًى لصالح أعداء الأمة، فأسأل الله تعالى ألا يمكن لك، ولا ييسر أمرك، وأن يلهم (العيال السيس) أن يقتلعوك كما اقتلعوا المتفرعن المستكبر المنفوخ العتل السابق، الذي لم تنفعه زبانيته وأمنه ومخابراته من إرادة الله تعالى، وغضبة الشعب الحر، فأذله حيًّا، وبعد هلاكه إن لم يبادر بتوبة نصوح كاملة يرد معها حقوق تسعين مليون مقهور!

 سيدي الرئيس الجديد: قرأت كلمة للدكتور الرخاوي جميلة فاسمح لي أن أبدأ بها توسلاتي لفخامتك: (لن تدخل الجنة بأصوات الناخبين، وإنما بحساب رب العالمين ورحمته (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) يعني إما الجنة، وإما أن سيادتك هاتاكل ضرب الله أعلم به، من ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون مايؤمرون..

 سيدي الرئيس الجديد: حيث توجد سلطة يوجد انتهازيون، وصيادون، ومنافقون، وأنت مسؤول عن البلد؛ فلا تمكن لأحد من هذه العناصر الخسيسة، لا تقرِّبها، ولا تمكن لها، ولا تطعها: قالها الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم (مش لحضرتك بس ) تخيل: (يَأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ، وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ؛ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا* وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ؛ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا* وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا).

 سيدي الرئيس الجديد: ليست مصر عزبة أخذتها بالفهلوة، وبتدجيل إعلامي فلولي انتهازي مجرم، ذي حمالات، وزجاجات، وأجندات رافضية، أو صهيونية، أو أمريكية، إنما هي دولة عظيمة، لم يكسرها في العقود الأخيرة إلا خونة وعملاء وبياعون، تقنعوا بقناع الوطنية، ثم باعوها روبابيكيا: المصانع، والأراضي، والبحيرات، والنيل، والجيل، والماضي والحاضر والمستقبل – اللهم انتقم منهم وممن أعانهم على ذلك – بل تستحق أن تعطيها روحك ووقتك وتفكيرك وإبداعك: فلقد (مضى عهد النوم يا خديجة) قال عطاء بن أبي رباح: حدثتني فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز أنها دخلت عليه فإذا هو في مصلاه، سائلة دموعه، فقالت: يا أمير المؤمنين، ألشيء حدث؟ قال: يا فاطمة: إني تقلدت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلّم فتفكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود، والمظلوم المقهور، والغريب المأسور، وذي العيال في أقطار الأرض، فعلمت أن ربي سيسألني عنهم، وأن خصمي دونهم محمد صلى الله عليه وسلم، فخشيت ألا تثبت لي حجة عند خصومته، فرحمت نفسي، فبكيت!

 وكان له ولد صالح ناصح، وحدث أن أوى ذات ليلة إلى فراشه، فما كاد يسلم جنبه إلى مضجعه حتى أقبل عليه ابنه - وكان عمره آنذاك سبعة عشر عامًا، - وقال: ماذا تريد أن تصنع يا أمير المؤمنين؟ فقال: أريد أن أغفو قليلا؛ فلم تبق في جسدي طاقة. فقال ابنه: أتغفو قبل أن ترد المظالم إلى أهلها؟ فقال عمر: أي بني إني قد سهرت البارحة، وإني إذا حان الظهر صليت في الناس، ورددت المظالم إلى أهلها إن شاء الله. فقال ابنه: ومن لك يا أمير المؤمنين بأن تعيش إلى الظهر؟! فقام عمر، وقبَّل ابنه، وضمه إليه، وقال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني.

 سيدي الرئيس الجديد: حضرتك لست ملهمًا – كما سيزين لك الدجالون – ولا تحيط بكل شيء علمًا، فلا بد من المشاورة، والاعتصام بأهل العلم والاختصاص من الصادقين: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ( ما ندم من استشار، وما خاب من استخار) وهذا سيرفع عند الله وعند الناس ذكرك، وسيقيم لك أمرك، ويضع عنك وزرك!

 سيدي الرئيس الجديد: مع التزيين والنفاق ومسح الجوخ يعتقد الكبار أنهم خلقوا من طينة غير طينة البشر، فتراهم منفوخين، مستعلين، يقطعون صلاتهم بالناس، والقيم، والدين، حتى إن أحد المشاهير – واسمه محمد – ذهب به مشيعوه إلى عمر مكرم دون أن يغسلوه؛ لأن أهله لم يعلموا أن تغسيل الميت فريضة.. أرجوك سيدي (خد بالك) وابق مصريًّا حقيقيًّا، بسيطًا سمحًا لينًا طيبًا متواضعًا، فإنك ميت، وسيسألك ربك عن القليل والكثير، وخذ مثلا من سيدك النبي صلى الله عليه وسلم الذي هابه رجل بسيط دخل عليه فقال له حبيبك صلى الله عليه وسلم: (هوّن عليك فإني لست بملك؛ إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد)! وفي الحديث: (من أحب أن يمثل الرجال قيامًا له فليتبوأ مقعده من النار).....