ذكرى النكبة: النكبة نكبات تتجدد يومياً

ذكرى النكبة: النكبة نكبات تتجدد يومياً

هدى الخطيب

من قال إن نكبة احتلال فلسطيننا ذكرى!؟

الذكرى تكون بعد تحرير الأرض واستردادها حيث تبقى ذكرى تاريخ أسود، أما نحن فما زلنا في نكبة مستمرة...

ومن قال احتلال فلسطين نكبة واحدة!؟

إنها نكبات يوميـة وأورام سـرطانيـة تمد أذرعها الشـريرة على طول شـرايين وطننا العربي... نكبـة فلسـطين نكبات يوميـة وحرب ضروس بين الحق والباطل، بين أهل الدار وقُطاع الطرق، بين الابن الشـرعي للحضارة الإنسـانيـة واللُقطاء أعداء التاريخ والحضارة، لصوص تراثنا وحضارتنا الإنسـانيـة النبيلـة الذين يُحاولون الاسـتيلاء عبر التزييف والإجرام على أرضنا وتراثنا وتراب أجدادنا لطمـس معالم هذه الحضارة العريقـة وفضلها على الإنسـانيـة...

جرح النكبة صار جراحاً تُدمي الجسد العربي كله، وبؤرة النتن التي حطّت يوماً في أرضنا العربية المقدسة مهد الأنبياء والحضارات، توغلت وامتدت شرايين فسادها في كل اتجاه ـ والألم يكبر والجراح تتسع ـ وكلما اتسع الشر وتطاول باتت الإنسانية بأسرها تعيش غربة في هذا العالم.

الصهيونية شرٌ مطلق متوحش غير مبصر إن لم يجد من يوقفه سيُهدد أمن هذا الكوكب بأسره ويكون السبب في دماره...

كُتب على فلسطين أن تكون الميزان الذي يزن بين الخير والشر؛ فهي مهد الحضارات وهي أرض المحشر، والصراع عليها بين الخير والشر قائم منذ بدء التاريخ وحتى قيام الساعة، ما انتصر الخير فيها إلا وكانت البشرية في خير وما انتصر الشر وعاشت تحت نير الاحتلال إلا وانعكس هذا على البشرية كلها...

مجازر وكوارث وطمس حضارات وتزوير تاريخ وفتن ونشر فساد وطغيان... ودماء... دماء فلسطين تمتدّ في الزمان والمكان...

كان أهلي هناك في أرض فلسطين وكان جدي يؤم المصلين ويُحدث الناس عن الخير والسلام والمحبة بين البشر... وكان طفلاً يلعب في الأزقة ويمرح على الشاطئ وينام قرير العين في حضن وطنه قبل أن يصلبوه على جلجلة النكبة..!!

أهلي كانوا هناك يزرعون ويحصدون ويروون تراب الأرض بعرقهم منذ آلاف السنين... كانوا آمنين بكل السلام الذي يملأ نفوسهم، يُكرمون الضيف ويُنجدون الملهوف وينصرون المظلوم ويعطفون على الغريب كائناً من كان هذا الغريب، وكانوا أكثر نُبلاً وإنسانية من أن يفهموا لغة الذئاب أو يرون مخالبهم، كانوا هناك دائماً في فلسطين منذ آلاف السنين، كانوا هناك لأنهم هم فلسطين وفلسطين منهم ومن دمهم وعرقهم وهم منها وشرايينهم موصولة بشرايين تربتها كما تتصل اليوم شراييننا بشرايينها في شتاتنا...

نعيش ذلك التاريخ البغيض لليوم الذي شرد فيه أهل فلسطين عن فلسطينهم وسلخ الجلد عن اللحم ومزق التراب وذرف دمعه الغزير دماء لا زالت تسيل أنهاراً ولن تتوقف حتى تتجمع التربة في تربتها ويجمع الشتيتين، الأرض الأم بالأبناء الذين شُردوا وشُتتوا، ويرحل الغرباء العابرون إلى غربة شرورهم بعيداً عن أرضنا الطيبة الصابرة وناسها الطيبين...

لقد عشنا كارثتنا ونكبتنا المستمرة منذ اثنين وستين عاماً بمآسيها اليومية وشُردنا في منافي العالم نحمل فلسطيننا جرحاً دامياً في أرواحنا ولوعة لا تستكين...

فلسطين في القلوب ونار الغضب والشوق في الصدور بركان يستعر ويزداد اشتعالاً مع الغدر الذي يًلاحقنا والحقد الأعمى الذي يحصدنا تحميه مظلات لا حصر لها من التواطؤ والدنيا بأسرها صحراء قاحلة أينما كنا عيوننا لا ترى غير فلسطين لأنها الوطن وقلوبنا لا تحن إلا إلى تربتها ودماؤنا لا ترجو غير فداء النزف على ترابها وتقديم أرواحنا مهراً لحريتها، ولا بلسم لجراحنا غير فلسطين حين ترحل العيون الزرق الإجرامية إلى المستنقع الذي أتت منه وتُمسي النكبة ذكرى ليلة مظلمة مرت على فلسطين وأبناء فلسطين...