نظام التعليم في الإسلام

نظام التعليم في الإسلام

عدنان سعد الدين رحمه الله

المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سورية

إن النظام التربوي في الإسلام يتجنب توقيع العقوبة على الناس ما وسعه ذلك، ويعتمد في بث مبادئه، وفي تكوين الفرد وتنظيم المجتمع وفق هذه المبادئ على التربية والتوجيه وتمكين الإيمان من القلب، والأخلاق الفاضلة في النفوس، كما أن الإسلام يدرأ الحدود بالشبهات، ويكره لأتباعه التحري عن حياة الناس والتنقيب عن خفاياهم، ليترك للمذنب طريق العودة وسبيل الرجوع إلى الصواب والاستقامة، ولا يلجأ الإسلام إلى العقوبة إلا إذا فشلت جميع الطرق والأساليب التربوية والتعليمية والتحذيرية.. إلخ وعندئذ فلا مناص لتقويم الفرد وحماية المجتمع من القصاص لحفظ النوع وصون الحياة، كما ورد ذلك في قول الله تعالى: "ولكم في القصاص حياة يا أولي الكلمة الخطأ (بالاناة) = بالأناة) الألباب" هذا هو منهج الإسلام بالنسبة للكبار، أما الصغار فقد أخذهم الإسلام بالأناة والرفق وعاملهم بالعطف واللطف، وهذا ما تعلمه المسلمون من رسول الله عليه السلام الذي كان أعظم الناس رفقاً بالصغار وحدباً عليهم ورعاية لهم.

ويجمع المربون المسلمون على عدم اللجوء إلى العقوبة إلا عند الضرورة، ويرى كثيرون منهم أن تسبق التوجيهات والنصائح توقيع العقوبة، فإن لم يجد ذلك نفعاً، فلا مفر من توقيع العقوبة المعنوية أولاً، كالعبوس واللوم والتوبيخ على انفراد، ثم أمام الرفقاء، فإذا لم يجد ذلك نفعاً لجأ المؤدب إلى العقوبة الجسدية غير المؤذية كالوخز والضرب غير المبرح، ويستدل المربون على ذلك بالحديث الشريف: "مروا أبنائكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر".

وعالج المربون المسلمون موضوع العقاب، وصدروا عن ذلك بدراسات هامة وأبحاث رائدة، وأشهر هؤلاء: القابسي وابن سينا والغزالي وابن خلدون وابن سحنون، يقول القابسي: من حسن رعاية المعلم للأطفال أن يكون بهم رفيقا، فقد جاء عن عائشة رضي الله عنها قول الرسول عليه

السلام: من ولي من أمتي شيئاً فرفق بهم فأرفق به، وقوله عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: إن الله يحب الرفق بالأمر كله، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء.

ويذهب ابن سينا إلى ضرورة البدء بتهذيب الطفل وتعويده ممدوح الخصال منذ الفطام، قبل أن ترسخ فيه العادات المرذولة التي تصعب إزالتها إذا تمكنت من نفس الطفل، أما إذا اقتضت الضرورة الالتجاء إلى العقاب، فينبغي مراعاة منتهى الحيطة والحذر، فلا يؤخذ الولد أولاً بالعنف، وإنما بالتلطف، ثم تمزج الرغبة بالرهبة، وتارة يستخدم المعلم العبوس أو ما يستدعيه التأنيب، وتارة أخرى يكون المديح والتشجيع أجدى من التأنيب، ولكن إذا أصبح من الضروري الالتجاء إلى الضرب فينبغي ألا يتردد المربي بذلك، على أن تكون الضربات الأولى موجعة حتى تحدث في نفس الطفل الأثر اللازم، وتجعله ينظر إلى العقاب بعين الجد، ولا يكون هذا إلا بعد التهديد والوعيد وتوسط الشفعاء لإحداث الأثر المطلوب في نفس الطفل.

ويميز الغزالي بين طرق تأديب الأطفال تبعاً لاختلاف أمزجتهم، فهذا طفل يتميز بالحياء والحساسية، فيستعان على تأديبه بحيائه، وذاك أميل إلى الخلق الجميل والفعل المحمود، فيلزم أن يكرم ويجازي عليه ويمدح بين الناس.

وقد تكلم ابن خلدون كلاماً دقيقاً في استعمال الشدة مع الطالب، وقرر أنها مضرة به، لأن إرهاق الجسد مضر بالمتعلم، يذهب بنشاطه ويحمله على الكسل والكذب والتظاهر بغير ما في ضميره خوفاً من العقاب، وربما اعتاد هذا الموقف وألفه فتكسل نفسه عن اكتساب الفضائل والخلق الحميد، لأنه تعود أن يكتسب الفضائل خوفاً من العقوبة والشدة، فإذا رفع عنه القهر يوماً بعد عن الفضيلة وربما سلك درب الرذيلة.

وأما ابن سحنون فقد كان يلح بشدة على وجوب الابتعاد عن استعمال الضرب والشتم، لما في ذلك من الفساد، وفي هذا يقول لمؤدب ولده محمد حينما سلمه إياه ليعلمه: ولا يؤدبه إلا بالمدح ولطف الكلام، وليس هو ممن يؤدب بالضرب أو التعنيف.

وقد أولت الدولة الإسلامية رعاية الطفل كبير اهتمام في بعض العهود، وأخذت على عاتقها حماية الأطفال من أساليب القسوة والعنف التي يلجأ إليها غلاظ القلوب من المدرسين، فكلفت رئيس الشرطة بملاحقة هذا الموضوع، والاتصال بالكتاتيب للتأكد من معاملة الأطفال معاملة طيبة، وكيلا تقع على الأطفال أي قسوة من جانب بعض المعلمين.

ومرجع ذلك كله إلا الإسلام وإلى توجيهات رسول الله عليه الصلاة والسلام وإلى آيات القرآن الكريم: "إن الله يحب الرفق بالأمر كله، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء" "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين".

وكما بحث المربون المسلمون موضوع العقاب، تناولوا بالدراسة موضوع الثواب، فنصحوا باستخدام صنوف التقدير مع الطفل، لشحذ همته وتنشيط طاقته، ومن ذلك المديح والتشجيع ومنحه المكافآت المالية، فما يعطى للتلميذ نظير تفوقه في مسابقة يسمى جائزة، وما يعطى نظير تفوقه بلا مسابقة يسمى مكافأة وقد انتشرت المكافآت المالية في المدارس، وجعل القائمون على أمر التعليم لها حصيلة في أوقاتهم. وهذا يتفق مع الأسلوب القرآني في أن يسير الترغيب مع الترهيب جنباً إلى جنب لبلوغ الإنسان ما تصبو إليه التربية الإسلامية من السمو والكمال.