الرئيس الخائف

الرئيس الخائف

عبده مصطفى دسوقي

باحث تاريخي وطالب ماجستير في التاريخ الحديث

[email protected]

نعمة الأمن والاستقرار من أعظم النعم التي يظفر بها الإنسان فيكون آمناً على دينه أولاً ثم على نفسه وعلى ماله وولده وعرضه بل وعلى كل ما يحيط به ولا يكون ذلك.

ولقد شدد الله على الأمن والأمان لاستقرار البلاد والدفع للإنتاج فيقول تعالى: (( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ))[قريش 4]، ويذكر المسلمين بما أنعم عليهم فيقول تعالى: ( أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون )).

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه سلمه بن عبيد الله وأخرجه البخاري: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا).

فهذه النعمة من نعم الله العظيمة على كل إنسان لكي يحيا وسط الجميع بنفس مطمئنة، وعلاقة يحيطها الحب والأمان.

إن الإسلام لشدة اهتمامه بتوفير الأمن والطمأنينة للناس لا يمانع من عقد اتفاقيات أو معاهدات دولية إلى أجل مسمى حتى مع غير المسلمين طالما أن الهدف من هذه العهود والمواثيق والاتفاقيات هو إقامة الحق والعدالة ورفع الظلم عن المظلومين وحفظ حقوق الإنسان فقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حضر حلف الفضول الذي تعاقدت قريش عليه في الجاهلية وأثنى عليه لأنه يهدف إلى نصرة المظلومين وردع الظلمة فقال صلى الله عليه وسلم :

لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعيت لمثله في الإسلام لأجبت لأن فيه نصرة للمظلومين وفيه ردع للظلمة والطغاة والمتكبرين.

والقصة المعروفة عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب والتي تدل على شيوع المن والأمان بين الحاكم والمحكوم، فلا تجد بينهم فرقا، فلا يخاف حاكم على نفسه من اغتيال، أو وقوع مصيبة به، لأنه عدل وسط الناس فعاش آمانا مطمئننا وسطهم.

فقد أرسل كسرى رسولا إلى زيارة عاصمة الإسلام وملكهم عمر بن الخطاب حيث كان يظن أنها مملكة .. وأمره أن ينظروا كيف يعيش وكيف يتعامل مع شعبه فلما وصل رسول كسرى إلى المدينة المنورة عاصمة الإسلام لمقابلة أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسأل أين قصر أمير المؤمنين؟ ضحك الصحابة من سؤاله هذا وأخذوه إلى بيت من طين وعليه شعر ماعز وضعه عمر لكي لا يسقط المطر فينهدم البيت على رأسه وأولاده

نظر الرسل بعضهم إلى بعض ظانين وقالوا: نريد قصر الإمارة! فأكدوا لهم أن هذا هو .. فطرقوا الباب ففتح لهم عبد الله بن عمر بن الخطاب فسألوه عن أبيه..فقال ربما كان في نخل المدينة.

ثم دلوه على رجل نائم تحت ظل شجرة ، وفي ثوبه عدد من الرقع ، وبدون أي حراسة ! سبحان الله ! رئيس دولة عظمى يحكم نصف الكرة الأرضية في ذلك الزمان ، ينام على الأرض يغط في نوم عميق يده اليسرى تحت رأسه وسادة ويده اليمنى على عينه تحميه من حرارة الشمس فتعجب من هذا المنظر ولم تصدق ما رأته عيناه وتذكر كسرى وقصوره وحرسه وخدمه فقال قولته المشهورة ": عدلت فأمنت فنمت يا عمر".

ومن ثم منن مقومات رئيس الدولة أن يكون آمنا على نفسه وأهله وقومه، بما نشره من امن وأمان وحب وسط الناس جميعا، الذين على استعداد للتضحية بأنفسهم من اجله.

ولقد شاهدنا أكثر من مشهد في سباق الرئاسة وقت تقديم الأوراق، حيث وجدنا مرشحين ذهبوا تحيط بهم القوى الشعبية تملئهم الحب..مرشحين لا يهابون أحد، ولا يتربص بهم أحد، لأن علاقتهم بشعوبهم طيبة، تبادلوا بين بعضهم البعض الحب، فنراهم يصلون في المساجد وسط الناس، بل نراهم يسيرون في الشوارع وسط الناس، بل نراهم يأكلون وسط الناس.

هؤلاء لم ينعزلوا عن الناس وعاشوا في أبراج عالية، كل همهم يرعبون الناس، ويبثون وسطهم الخوف، ويحكمون الشعب بالحديد والنار.

لكن من بعد عن الشعب وعاش في أبراج عالية واستعدى على القوم خصومهم، بل ضيق الخناق على أطفالهم فجوعهم، هؤلاء عاشوا ويعيشون وسيعشو في خوف دائم، ومن ثم سيحولون وطنهم إلى سجن كبير يحبسون فيه شعوبهم خوفا على أنفسهم من أن يتصيدهم احد من الشعب، وأمثال هؤلاء أيضا يصنعون ديكتاتور يعيش بعيد عن شعبه فلا يشعر بهمومهم، هذا غير أن أمثال هؤلاء لا يتقدمون بوطنهم ولا يستطيعون اتخاذ قرار لصالح الوطن لما اعتراهم من الخوف والجزع..ومن ثم فأمثال هؤلاء لا يصلحون لقيادة وطن.

إن ما رأيناه من مشاهد للمرشحين وهم يذهبون بصحبة مؤيدهم دون حراسهم او غلق للشوارع وحجب الناس عن الرؤية هم من يصلحون لقيادة الأوطان وشعوبهم.

أما ما رأيناه من عمر سليمان وشدة الحراسة التي رافقته، بل وتسخير كل هذه القوى من الشرطة العسكرية والأمن المركزي دليل على خوف الرجل الشديد على نفسه، لأنه ارتكب جرائم في حق الشعب.

إن خوف عمر سليمان الذي يستدعى أن تحميه كل هذه القوى من الشرطة العسكرية والأمن المركزي، كيف سيحكم شعب هو خائف منه، وجسور الثقة بينه وبين شعبه مفقودة.

إن الأهلية والشرط الأول لتولى منصب رئيس الجمهورية هو إشاعة الأمن بين الحاكم والمحكوم فلا تعرف من الحاكم من المحكوم.

يا شعبنا قبل أن تختاروا من يمثلكم ابحثوا عمن يوفر لكم المن ويعيش وسطكم دون خوف..فقد قال الله تعالى (ادخلوا مصر إن شاء الله أمنين) صدق الله العظيم.