البعث يلهث وراء الشيوعية والإشتراكية

د. زكريا عبد الرزاق المصري

في محاربة دين خير البرية

أين تبر العقيدة من التراب ، يا من أشبهتم بأعمالكم الكلاب

أما آن لنفوسكم المسعورة ، أن تشبع من دماء الأبرياء المذعورة

138 لا حوار مع حزب الله في هذه الجولة ،حتى يسلم سلاحه الى سلطة الدولة

أ.الشيخ الدكتور زكريا عبد الرزاق المصري

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه , وبعد

فإن الإيمان بوحدانية الله تعالى في ربوبيته وفي ألوهيته قضية مركوزة في نفس كل إنسان بالفطرة ،منذ أن كان في عالم الذر ،الى أن ينتقل منها الى عالم الشهادة بالولادة ،فيكون الكفر طارئا عليه بسبب العوامل المفسدة المحيطة به ،وفي مقدمتها الأبوان في الأسرة والناس في المجتمع ،كما قال r (كل مولود يولد على الفطرة ،فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تلد البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء ،حتى تكونون أنتم تجدعونها ) رواه البخاري ومسلم ،فمن خرج عن الإيمان بالله تعالى في حياته ، فإنه يكون قد انسلخ عن تلك الفطرة التي خلقه الله تعالى عليها ، وابتعد عن تلك الأصالة التي أوجده الله تعالى فيها ،ويصير خارجا عن سنن الحياة المعنوية ،كمن يخرج عن سنن الحياة المادية،بأن راح يمشي على أربع أو راح يمشي على يدين أو على رجل واحدة ،فإنه وإن أمكنه فعل ذلك لبعض الوقت ،فسوف يكون في حالة حرج وضيق ، كما قال تعالى "فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ،ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا "طه:123 فلا يستقر له حال ولا يهنأ له بال في حياته ،حتى ولو حيزت له الدنيا بمتاعها وشهواتها ،لأن قلبه بخروجه عن مقتضى الفطرة مضطرب ونفسه قلقة ،لأن مصيره مجهول وباله مشغول ،وقد قال تعالى "ألا بذكر الله تطمئن القلوب "الرعد:28 وبالتالي فإن من يخرج عن مقتضى الفطرة يصبح خصما بل عدوا للمؤمنين فيستخدم في مواجهتهم شتى أساليب الكيد والإنتقام كما قال تعالى "وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد "البروج:8 وقال أيضا "ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة "النساء:102

ومن هنا شبه الله تعالى الذين يخرجون في حياتهم عن مقتضى فطرتهم في كراهيتهم للآخرين بدون ذنب وعدوانهم عليهم بدون سبب وسعيهم للإنتقام منهم بدون موجب بالكلاب اللاهثة والسباع المسعورة التي تسعى الى نهش الآخرين وإيذائهم في كل الأحوال ،فقال تعالى "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان ،فكان من الغاوين ،ولو شئنا لرفعناه بها ،ولكنه أخلد الى الأرض واتبع هواه ،فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث وإن تتركه يلهث ،ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ،ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون "الأعراف:175

وبلاد الشام من جملة البلاد التي وصل إليها الإسلام ،منذ عهد أصحاب النبي r وتوارثه الناس هناك جيلا بعد جيل ،حتى تجذر فيهم وصار هو الأساس في حياتهم والعمدة في انتمائهم ،فتفاعل مع فطرتهم وأصبح لا ينفصل عنهم ،كما لا ينفصلون عنه ،حتى إنهم قد حملوا الإسلام بعد ذلك الى البلاد الأخرى عبر الفتوحات الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها ،سواء في العهد الأموي أو العباسي أو العثماني ،فنشروا الإسلام في كل مكان ،وبعد سقوط الدولة العثمانية وتقاسم الإستعمار بلاد المسلمين صارت بلاد الشام تحت وصاية الإستعمار الإنكليزي والفرنسي الذي حاول غرس مبادئه وأخلاقياته وسلوكياته فيها ،واستعمل في سبيل ذلك أساليب التمويه والتزوير والقهر والبطش ولكنه لم ينجح في ذلك كله ، حيث قامت الثورة ضده ،واستمرت سنوات عديدة ،اضطر معها الى الجلاء عن بلاد الشام ،يجر ذيول الخيبة وعار الهزيمة ،أمام الشعب الذي سطر أعظم البطولات في كتب التاريخ الحديث .

ولم يكد الإستعمار ينسحب بقوته العسكرية من أرض الشام حتى بادر حزب البعث العربي الإشتراكي هناك الى القيام بانقلاب عسكري على الحكم القائم ، بدعم فرنسي للقيام بادئ الأمر،ثم توجه في إطار الإستعمار غير المنظور الى الإتحاد السوفياتي الشيوعي الإشتراكي الذي ينكر وجود الله تعالى أصلا ،ويحارب الدين الإلهي ،ويصفه بأنه أفيون الشعوب ،الذي حارب أهل الشرائع الإلهية في بلاده التي كانت تتألف من أربع عشرة جمهورية ،وجعل يضطهد أهل هذه الشرائع ،لاسيما المسلمون منهم ،وكان يعتبر كل مسلم ملتزم بدينه عدوا للحزب الشيوعي السوفياتي الحاكم ،فقام بشن هجمات عسكرية وأمنية واسعة النطاق ضد المناطق الإسلامية هناك ،مستخدما قدراته العسكرية الضخمة في تدمير تلك المناطق التي رفضت الخضوع لمبادئه الشيوعية ومفاهيمه الإلحادية ،فقتل أثناء مدة حكمه التي ناهزت السبعين عاما ،أكثر من عشرين مليون إنسان ،فيما سمي بالثورة البلشفية الحمراء ،ونشر الرعب في البلاد والظلم على العباد والقهر في القلوب والذل في النفوس ،حين فرض إلحاده على الناس الذين كانوا في نفرة منه وكراهية له ،وإن خضعوا له بألسنتهم وأجسادهم ،لأن مبادئه تتناقض مع الفطرة التي فطرهم الله تعالى عليها ،والتي لم يتمكن الحزب الشيوعي المذكور من الصمود أمامها طويلا ،فانهار في غضون سبعة عقود بعد أن أهلك نفسه بالخروج عن الفطرة بإيحاء من الشيطان،كما أهلك مخالفيه بالإنتقام منهم ،وحق فيه قول الله تعالى "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان ،فكان من الغاوين ،ولو شئنا لرفعناه بها ،ولكنه أخلد الى الأرض واتبع هواه ،فمثله كمثل الكلب ،إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا" الأعراف:176

وحاول حزب البعث العربي الإشتراكي في سوريا أن يفعل مثل ما فعل الحزب الشيوعي في روسيا ،فحصل من هناك على الدعم السياسي والإقتصادي والعسكري ،وراح يفرض مبادئ حزب البعث المستقاة من الحزب الشيوعي بقوة الإعلام والتعليم والقانون ،واستخدم في ذلك القوة الأمنية والعسكرية ،وخاض مواجهات عنيفة ضد كل من يرفض مبادئ الحزب في المدن والقرى السورية، لاسيما حماة وحمص وجسر الشغور واللاذقية وغيرها أثناء فترة حكمه التي امتدت لأكثر من أربعين سنة ،فدمر العديد من المدن والقرى وقتل عشرات الآلاف من الشعب السوري واعتقل أضعافهم ومارس ضدهم ألوان التعذيب في غياهب المعتقلات ،وشرد مئات الآلاف من ديارهم وارتكب أشنع المجازر ،التي طالت الأبرياء المدنيين رجالا ونساء وأطفالا، حتى أوشك أن يفوق الحزب الشيوعي الروسي في الفظاعة والقسوة فأهلك نفسه وأهلك مخالفيه،من الشعب الذي يرفض بفطرته هذه المبادئ التي يؤمن بها حزب البعث بإيحاء من الشيطان،فحق فيه قول الله تعالى "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ،ولو شئنا لرفعناه بها ،ولكنه أخلد الى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتذكرون ،ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون "الأعراف:175

أين هذه الممارسات العدوانية من حزب البعث العربي الإشتراكي في سوريا من شعاره الذي رفعه ليؤيده الناس في حكم البلاد ،والذي يقول فيه ( وحدة،حرية،إشتراكية) لقد فرق الشعب السوري ومزقه فجعله طوائف واتجاهات،وكبت النفوس وكم الأفواه ،وجعل الناس طبقتين اثنتين :أثرياء ،وهم كل من أيده وسار في ركابه ،وفقراء وهم كل من لايؤمن بمبادئه، في حين أن الدين الإسلامي الذي يحاربه حزب البعث قد رفع شعار الحرية ومارسها في الناس،كما قال تعالى "لاإكراه في الدين"البقرة:256 ورفع شعار الوحدة ومارسها في الناس،كما قال تعالى"وإن هذه أمتكم أمة واحدة "المؤمنون:52 ورفع شعار العدالة ومارسها في الناس ،فقال تعالى "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل "النساء:58 فكان دين الإسلام سبب انتشار الحق والخير والعدل في الناس طيلة أربعة عشر قرنا من الزمان ،لم يسجل عليه التاريخ شيئا من المجازر والمظالم والتعديات على الآخرين،بخلاف حال الشيوعية والإشتراكية والبعثية التي رفعت الشعارات البراقة ،ومارست مايخالفها من الأعمال التي يندى لها جبين البشرية ،وينحل معها رباط الإنسانية ،فأين الثرى من الثريا ،وأين التبر من التراب ، وقد أحسن من قال في هذا المعنى :

حكمنا فكان العدل منا سجية           فلما حكمتم سال بالدم أبطح

فيا عجبا هذا التفاوت بيننـا           فـكل إناء بالذي فيـه ينضح

لقد أصبح حزب البعث في محاربته للفطرة التي خلق الله الناس عليها ،وافتعاله ابشع الجرائم وارتكابه أفظع المجازر ضد المسلمين من الشعب السوري واللبناني والفلسطيني كالكلب اللاهث المسعور "إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتذكرون ، ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون "الأعراف:176 فالإسلام بمبادئه فوق السحاب لا يضيره عواء الكلاب فالقافلة سائرة بخطواتها الهادرة الى عز الدنيا وسعادة الآخرة .

وفي ظل هذه الحملة المسعورة في بلاد الشام من الحزب الحاكم هناك الذي يدعمه فيها الحرس الثوري الإيراني من وراء ستار وحزب الدعوة العراقي في الخفاء وحزب الله اللبناني من وراء الكواليس،الذي يتظاهر بالدعوة الى الحوار مع مختلف الفرقاء اللبنانيين في محاولة منه لإشغال الرأي العام عما يجري  ضد الشعب في سوريا من مذابح وحشية وممارسات عدوانية ،نطالب هذا الحزب بتسليم سلاحه للدولة اللبنانية اولا وقبل كل شيئ ،ليكون ذلك عربون صدق في القول وسلامة في النية كي تصبح الدولة اللبنانية هي المسؤولة وحدها عن أمن المواطن وسلامة الوطن .

هيئة علماء الصحوة الإسلامية في لبنان