مجلس الأمن واستغاثات السوريين

حسام مقلد *

[email protected]

في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عارضت كل من روسيا والصين مشروع قرار دولي في مجلس الأمن حول سوريا، وفشل المجلس في إصدار قرار يدين نظام بشار الأسد ويحمِّله المسئولية عن الجرائم والمجازر التي يرتكبها بحق شعبه الأعزل، ولحفظ ماء الوجه قدمت موسكو في منتصف شهر ديسمبر (كانون الأول) مشروع قرار يدين أعمال العنف في سوريا من قبل الحكومة والمعارضة على حد سواء(...!!) ورفضت الدول الغربية نص هذا القرار لأنه لم يكن قويا بما يكفي، ودعت الولايات المتحدة الأمريكية روسيا للتخلي عن مبادرتها ودعم قرار دولي أكثر حزما تجاه النظام السوري، لكن الروس اعترضوا على مسودة القرار الذي صاغته واشنطن وعدة دول أوروبية، ثم خفتت الأصوات الدولية المطالبة بتدخل مجلس الأمن لوضع حد لأعمال العنف وإراقة الدماء في سوريا، على أن تُدْعَم جهود جامعة الدول العربية من أجل إيجاد حل عربي لهذه الأزمة.

وقد أعطَت الجامعة النظام السوري المهلة تلو المهلة للاستجابة للمبادرة العربية بوقف العنف وسحب الأسلحة والمدرعات والدبابات والعربات المصفَّحة وكافة الجنود والآليات العسكرية من الشوارع وعودتها إلى ثكناتها، وبعد تسويف ومماطلة وثمانِ مُهل عربية (...!!!) وافقت الحكومة السورية على المبادرة العربية ووقَّعت بروتوكولها، ودخلت بعثة المراقبين العرب إلى الأراضي السورية، لكن نظام الأسد حدَّ من حركتها وتدخَّل في عملها، فلم تتمكن من أداء دورها، بل قتَلت السلطات السورية في غضون أسبوعين من بدء بعثة المراقبين عملها أكثر من خمسمئة متظاهر سوري، وتَواصَل مسلسل العنف والقتل اليومي وإراقة دماء السوريين، والجامعة العربية عاجزة تماما عن القيام بأي شيء يحمي الناس من الذبح، وكأن دورها كان منح الغطاء الرسمي العربي لنظام الأسد وزبانيته لارتكاب المزيد من المجازر البشعة والمذابح المروِّعة بحق شعبه!!

حدث كل هذا والشعوب العربية والإسلامية في صمت قاتل كصمت القبور!! وبعد خذلان الأشقاء العرب لهم، والغياب التام للعالم الإسلامي عن قضيتهم لم يجد السوريون سوى أن يستصرخوا مجلس الأمن الدولي ويطلبوا منه التدخل الجاد والسريع لإنقاذهم من براثن نظام الأسد الطائفي الذي يسومهم سوء العذاب منذ أحد عشر شهرا، حيث قَتل منهم الآلاف واعتقل وشرَّد عشرات الآلاف، ولا زال سادرا في غيِّه ويواجه المتظاهرين السلميين بمنتهى الوحشية، ويقتل منهم العشرات يوميا ويحصد أرواحهم بدم بارد وكأنهم مجموعة من الصراصير وليسوا بشرا من حقهم الحياة بحرية وكرامة كبقية البشر!!

وقد أدان وزير الخارجية الفرنسي (آلان جوبيه) مؤخرا صمت مجلس الأمن الدولي حيال سوريا معتبرا أن الوضع أصبح لا يحتمل؛ فالمجزرة مستمرة وكذلك صمت مجلس الأمن الدولي مستمر!! وأعرب الوزير الفرنسي عن رغبته في أن تكتب الجامعة العربية تقريرا موضوعيا عن الوضع في سوريا وترفعه قريبا إلى مجلس الأمن.

ودعا (بان كي مون) الأمين العام للأمم المتحدة بشار الأسد للتوقف عن قتل أبناء شعبه، ونصحه قائلا: "إن الذين يمارسون السلطة بالقوة أو بالإكراه إنما يعجِّلون بسقوطهم. فعاجلا أم آجلا ستتخلى عنهم شعوبهم" وحث (بان كي مون) مجلس الأمن الدولي على التصدي للأزمة في سوريا، آملا أن يتناول الأوضاع السورية بطريقة متماسكة وبتقدير سليم لخطورة الموقف هناك!

ومن جانبه أكد وزير الخارجية الألماني (فيستر فيلي) أن ألمانيا تواصل سعيها بقوة من أجل استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي  بشأن سوريا، معتبرا أنه في ضوء التطورات الأخيرة من الضروري جدا أن يقوم مجلس الأمن بإرسال إشارة واضحة لنظام الأسد.

وحقيقة لا نفهم سر تأخر مجلس الأمن حتى الآن عن القيام بعمل ناجز لإنقاذ الشعب السوري من بطش نظام البعث الحاكم، فإذا كانت الجامعة العربية لأسباب كثيرة قد أخفقت عمليا طوال هذه الأشهر وفشلت فشلا ذريعا في حماية آلاف الأبرياء في سوريا من القتل اليومي بالعشرات ـ فما مبرر السكوت الدولي المشين على هذه الجرائم الوحشية التي يرتكبها بشار الأسد وزبانيته بحق شعبه الأعزل؟! وما الذي يمنع مجلس الأمن من التحرك الجاد والسريع؟! وهل هو في حاجة إلى دعوة من أحد للتدخل لوقف نزيف الدم السوري؟! أليس السوريون بشرا كغيرهم من سكان هذا الكوكب؟! أليسوا جزءا من البشرية التي أُسِّسَت الأمم المتحدة ومجلس الأمن لحمايتها؟! فإلى متى سيظل مجلس الأمن يكيل بمكيالين؟! ففي الوقت الذي استنفر هذا المجلس كل طاقاته للتدخل السريع في مناطق عديدة من العالم نراه يتراخى ويتلكأ ويتباطأ إذا ما كان الأمر يتعلق بإسرائيل من قريب أو بعيد!!

نفهم أن مصالح إسرائيل تقتضي بقاء نظام الأسد حاكما في سوريا؛ فقد أثبت هذا النظام العميل على مدى عقود أنه صمام أمان لدولة الكيان الصهيوني، ويكفي دليلا على ذلك أنه لم يطلق رصاصة واحدة منذ أربعين عاما لتحرير الجولان السوري المحتل، لكن ما ذنب الشعب السوري أن بلاده تجاور إسرائيل؟! وما الضرر الذي سيلحق بدول العالم لو سقط نظام الأسد الفاشي المستبد الذي يقمع شعبه ويقتله يوميا منتهكا كافة مواثيق حقوق الإنسان الدولية صباح مساء؟! ثم أليس السوريون بشرا من حقهم التمتع بهذه الحقوق كغيرهم؟! أم أن حماية أمن وسلامة إسرائيل أهم وأولى عند مجلس الأمن من إنقاذهم؟!

وربما قال قائل إن تشابك المصالح الدولية والإقليمية وارتباك الوضع الإقليمي الراهن هو السبب في تعقيد الأزمة السورية، فمن جهة هناك قلق إسرائيلي من سقوط نظام الأسد ـ الذي يوفر عمليا الأمن لإسرائيل بعيدا عن جعجعة المقاومة والممانعة ـ ومجيء نظام إسلامي يغامر بفتح جبهات القتال، ومن ناحية أخرى هناك مصالح حيوية للغاية لروسيا في الشرق الأوسط، وهي تضمن هذه المصالح بتحالفها الاستراتيجي مع نظام الأسد، وبالطبع فلن يتخلى الروس عن الأسد بسهولة ما لم يضمنوا تحقق مصالحهم تلك بشكل أو بآخر، ومن ناحية ثالثة هناك التحالف القوي بين إيران وسوريا وحزب الله في ظل التركيبة الطائفية والعرقية لدول المنطقة، وأي هزة في التوازن الهش والهدوء الظاهري الحرج بين هذه المكونات من شأنه تأجيج نيران الفتن الطائفية، وإشعال حروب أهلية مروعة، وجر المنطقة بأسرها إلى حرب شاملة ومدمرة!!

وهذا الكلام رغم وجاهته وأهميته إلا أنه مردود عليه، فبداية لا شأن للشعب السوري المسالم بكل هذه الحسابات السياسية المعقدة فكل ما يطلبه هو أن ينال حريته ويعيش حياة حرة كريمة كغيره من الشعوب، وقد أكدت المعارضة السورية مرارًا نضج مواقفها السياسية، فهي لا تتحرك على أية أسس طائفية، ولا تنطلق من قناعات أيدولوجية متشددة، وتدعو إلى الوحدة الوطنية، وتحرص كل الحرص على تماسك الجبهة الداخلية السورية بكل أطيافها ومكوناتها العرقية والدينية، وتنادي ببناء الدولة المدنية الديمقراطية، دولة سوريا الحرة الأبية لكل السوريين أيا كانت أعراقهم وطوائفهم ومذاهبهم وانتماءاتهم الفكرية، كما أنها تؤكد على حماية الأمن والاستقرار في المنطقة، وبالتالي فلا يوجد أية مبررات تسوِّغ ما يحدث الآن من تجاهل عربي وإسلامي ودولي صارخ لأزمة الشعب السوري الأبي!! والكرة الآن في ملعب مجلس الأمن الدولي بعد كل هذه الاستغاثات والمناشدات، وآخرها نداء قائد الجيش السوري الحر له من أجل التدخل العاجل لإنقاذ أبناء الشعب السوري الذين هم أخوة لنا في الإنسانية، فهل يبادر مجلس الأمن بتحمل مسئولياته تجاه السوريين، أم يتخلى عنهم ويتركهم وحدهم في مواجهة طغيان الأسد وجبروت زبانيته؟!!   

                

 * كاتب إسلامي مصري