جولة في زمان اللا معقول

الشيخ حماد أبو دعابس

الشيخ حماد أبو دعابس

رئيس الحركة الإسلامية

الأحداث التي تشهدها الساحة العربية والدولية لا تسير دائماً بوتيرة موحَّدة يسهل معها قراءة الحدث القادم، بل بوتيرة القفز من مرحلة إلى أخرى بحيث يصبح ما قبل القفزة زمن بائد، وكأنه من عالم آخر.فمصر ما قبل الثورة أصبحت عالماً قديماً جداً،والثورة التي لم تُكمل عامها الأول بعد،أصبحت حدثاً في التاريخ نستمع إلى شهادة

بعض رموزها وكأنهم يتحدثون عن تفاصيل قديمة. ورؤية مبارك ونجليه ووزير داخليته في قفص الاتهام عالم آخر تماماً عن فترة ما قبل الثورة، والانتخابات البرلمانية وفوز الإسلاميين فيها باتت أمرا مألوفا، ويبقى رؤية الرئيس المصري القادم بعد انتخابه يتسلم مقاليد منصبه لتكتمل صورة مصر الجديدة. وكذا الحال في تونس، التي سبقت الجميع بقطعها للمراحل المختلفة بسلاسة وحضارية لا مثيل لها.

بشار الأسد لم يسمع بالثورة!!

أما في سوريا فالقفزة الأولى تحقَّقت بانطلاقة الثورة وتصاعد وتيرتها منذ عشرة أشهر. وظلَّت الأزمة طوال تلك الفترة تراوح مكانها، والعالم ينظر ويراقب ويحسب عداد القتلى، ولا يفعل شيئاً ملموساً حيال ذلك. تركيا اتخذت مواقف سياسية جريئة في بداية الأزمة ثم ما لبثت ان تراجعت حدَّتها، وخنس صوتها، لما باتت تحسبه من تبعات ثقيلة للتدخل من طرف واحد في ما يجري بسوريا. وقطر حملت لواء الجامعة العربية فأبرقت وأرعدت، وتحركت الجامعة العربية ضد سوريا بخطوات بطيئة وحذره فجمَّدت عضويتها في الجامعة، وأرسلت المراقبين، فاستوعب النظام السوري بعثة المراقبين وحصرهم في دائرة خدمة اهدافه،وذلك بتحديد تحركاتهم، وحجبهم عن حقيقة ما يجري من احداث الثورة. إضافةً الى اشغالهم بتفجيرات مفتعلة اختار النظام مكانها وزمانها. ولذلك فان الجميع يترقَّب ويسأل متى وكيف ستكون القفزة القادمة للاحداث في سوريا؟ وعليه فان توقيت ومضمون خطاب بشار الاسد الاخير يعبِّران عن ارتياحه لعجز الاطراف الخارجية وتخوفها من خوض غمار المواجهة في سوريا. وكأنه يقول لشعبه الثائر ضده، لم تنفعكم تركيا ولا جامعة الدول العربية، وليس لامريكا واوروبا ما يشجعهم على التدخل، وسيظل العالم ينظر ويراقب كيف تجري المواجهه في الميدان، بين جيش النظام وشبيحته، وبين الشعب الأعزل، الذي يملك الارادة والعزيمة، ويتحدَّى بجسده العاري لآلة القتل البشعة المصوَّبه اليه. سيظل العالم يحصي اعداد القتلى، وينقل روايات القتل والتدمير والاعتقالات والموت تحت التحقيق والتعذيب. اما بالنسبة لبشَّار الاسد وازلام نظامه فالأمر لا يعدو عصابات مسلَّحة وارهابيين يتحركون ضمن مؤامرة دولية على سوريا.ولا علم لهم اطلاقاً بأنَّ سوريا تشهد ثورة شعبية عارمة نادت باسقاط النظام ثم نادت باعدام الرئيس واصبحت تناشد المجتمع الدولي بالتدخل الفوري لحماية الشعب السوري.

لا بد من قفزة من حيث لا يحتسب الأسد

بات واضحاً انَّ الضغوط السياسية، والعقوبات الاقتصادية والدبلوماسية التي تمارس ضد سوريا خطوات خجولة وهزيلة لا تستطيع اسقاط النظام المستبد والغاشم في دمشق. بل لا بد من حدث جريء ومفصلي، يغيِّر قوانين اللعبة. والّا فانَّ الثورة ستستمر طويلاً وستحصد ارواح آلاف الضحايا الاخرين ، وستجلب دماراً واسعاً، ولا يدري احد كيف ومتى ستنتهي.الذي يبدو من تراجع المواقف التركيه والعربية، ومن بعض التصريحات الإسرائيلية أنَّ الغرب وإسرائيل قرَّروا تقديم الملف الإيراني في الترتيب على الملف السوري، فلم يملك العرب والأتراك حيال ذلك إلا الاكتفاء بالمناورات الإعلامية والسياسية المحدودة.

تصريحات أيهود باراك وزير الحرب الإسرائيلي أشارت مراراً إلى أن عمر النظام السوري لا يتجاوز بضعة أسابيع (من 6-12 أسبوعا). ومؤخراً تحدَّث الإعلام الإسرائيلي عن خطط إسرائيلية لفتح هضبة الجولان لاستقبال ابناي الطائفة العلوية في سوريا في حالة سقوط نظام بشار الأسد. فهل هذه اللفته"الإنسانية" تأتي مقابل خدمات حفظ الحدود الشمالية لإسرائيل أم لربما خطوة لإشعال الفتنه الطائفية وتغذيتها لعقود قادمة؟.

وعليه فان اعتقاداً موضوعياً يسود هذه الايام، بأنَّ المرحلة تتجه نحو ضربة لايران، وتدخلاً اجنبياً مصاحباً لاسقاط نظام الاسد، وزراعة كيان علوي يُبقي فتنة الاقتتال الداخلي مشتعلة داخل سوريا، تتحكَّم اسرائيل في معظم خيوطه. هذا اضافةً الى ضرب لبنان وغزة.

التشابك، واختلاط الاوراق، والتعقيد المتأزم هي سمات الازمة في سوريا. فما بين قوىً داخليه، واخرى اقليمية، ودول عظمى، ومصالح تتقاطع وتتصادم يبقى الجميع يتقدم ويتأخر، ولا يجرؤ على الخطوة الحاسمة. يبقى الحال كذلك حتى تأتي القفزة القادمة من حيث لا يحتسب أحد. ولكن ثقتنا بأن الامور بيد الله يجريها كيف يشاء، فاننا نعتقد جازمين بان ليل الظالمين يوشك الى الزوال وان فجر الحرية القادم للأمة يوشك ان يبزغ بقدرة القوي العزيز، الذي لا يعجزه شيءفي الارض ولا في السماء.

النقب ساحة نضال متواصل

تستمر الحكومة الإسرائيلية في خطواتها التصعيدية ضد المواطنين العرب في النقب. وقد قدمت على طاولة الحكومة مذكرة القانون الخطير المبني على خطة برافر لمصادرة معظم الأراضي العربية في النقب. بنود القانون خطيرة، ومظاهر العنصرية تفوح من جميع بنوده وجوانبه. فتح باب الاعتراض وتقديم الملاحظات حول القانون، وعين النائب الليكودي اليميني بيني بيغن للاستماع لتحفظات المواطنين والأطراف المعنية. ورغم انعدام ثقتنا مطلقاً في نزاهة بيغن ونتنياهو وحكومتهما المتطرِّفه، إلا أن نضالنا بالأدوات المتاحة لا بد أن يستمر، واعتراضاتنا واحتجاجاتنا لا ينبغي أن تتوقف.

الموقف يتطلب الأخذ بجميع الوسائل والأسباب، حتى نقيم الحجة على هذه المؤسسة العنصرية، فان أصرت على ظلمنا وعدم إنصافنا، فليس اقل من أن يشهد التاريخ والأجيال القادمة أننا لم نفرِّط في حقنا ولم نتنازل عن دورنا التاريخي الذي كتب علينا. مع ثقتنا أن المستقبل لنا ولامتنا ولشعبنا، ولا بد أن يعود الحق كاملاً لأصحابه ولو بعد حين.

فصبراً يا أبناء نقبنا، وثباتاً على طريق النضال حتى يتحقق لنا ولكم المُراد، وإنَّ النصر قريب والفرج آتٍ، وان غداً لناظره قريب.

والله غالب على امره