الهوية العربية مقابل هويات طائفية...(3)

ليست كل الساحات ملاعب ولا كل النيران مشاعل

كامل المحمود

يلعب العرب اليوم في كل ساحاتهم وتحيط بهم من جهاتها الأربعة كل من تركيا وإيران وإسرائيل والولايات المتحدة!..وبقية العالم يتفرج وينتظر النتائج..

تركيا.. التي أفاقت من سباتها التأريخي القديم وأمجادها التي طواها النسيان وهي تبحث عن أرض خصبة جديدة لزرع تجربتها في الإسلام العلماني !..وهو حق من حقوقها..

وإيران.. التي ترفع شعار تصدير نيران (الثورة الاسلامية ) منذ عام 1980 نجحت في إستثمار هدم السور العراقي الذي كان عائقا كبيرا أمام تجربتها في السهول التي تحتضمن مراقد الأئمة وأكبر احتياطي للنفط وما كان يمثل ( هاجس القومية العربية ووحدتها!) وتنظر للبعيد..وكذلك هو حق من حقوقها..

وإسرائيل.. لاتريد فقط حدودها التي ( رسمها وسلم ملكيتها لهم الله!) بل تريد دولا في محيط ( أيا كان تسميته ..شرق أوسط صغير او كبير او حتى جديد!) ..المهم تريد محيطا ممزق التكوين ويعيش على خلق المشاكل الداخلية ويركض دائما ( خلف الكرة) أينما إتجهت..ومهما طال الزمن..بلا أهداف او برامج !..

أما الولايات المتحدة.. فهي راعية لكل أصول اللعب.. مهما كان تسميتها ..حتى وإن كانت اليوم ..(لعبة الثورات الربيعية العربية)!..

أمريكا اليوم هي التي تختار اللعبة وتسميتها ولاعبيها ..

ربما لا تقرر من البداية من ينتصر فقد عودتها تجاربها على مر القرون وخاصة في إحتلال العراق وتدميره وتمزيقه وإضعافه وتركه بيد ( قياداته التي لا تعرف من قدرة وفن ومسؤولية القيادة والحكم غير الإنتقام والتسلط والعنصرية في القومية والطائفة والحزبية التي تستثمرها للكسب السريع قبل فوات الآوان)!..

نقول تعودت أمريكا أن تكون (ديناميكية في تحديد الوسائل وحتى بعض الأهداف)..فهي تغير تكتيكها فور تغير الموقف..وكثيرا ما حصل في العراق وميادينه القتالية الشرسة منذ بداية الاحتلال في نيسان 2003 أن تغيرت تحالفاتها وفقا لما يتغير الميزان في الميدان !..

كل العرب متهيئين للعب..وإن كان أكثرهم لايعرف ما سيلعب لأن الولايات المتحدة هي التي تختار الزمان والمكان ونوع اللعب!..بيدها صافرة البداية للعبة..وهي التي تعطي الحق للظالم وتنتصر له ..ثم تعود وتطلب من المظلوم الثأر والعصيان!..

علينا ان ننتبه شعوبا وقيادات ..

أن ننتبه لأهداف أمريكا وإسرائيل وتركيا وإيران..

وأن نعرف جيدا بأنه في الوقت الذي نضع كل طاقات شبابنا وإمكانات اوطاننا في صراع داخلي للفوز باللعبة ..ونوقف عجلة الانتاج وبرامج التطور..فإن لكل من هذه الجهات الأربعة التي تشجعنا وتصفق لنا وتدعمنا أجندتها الخاصة وبرامجها الذاتية في وقت تقوم كل منها ببناء إمكاناتها وتطوير قدراتها وتسليحها وآفاق علمها وتقنياتها وهي لا تتردد في كسر أي باب أمام طموحاتها!..

تركيا ..تراهن بتجربتها.. وينسى ( مقلديها) مرة أخرى أن ما ينطبق على (القارة التركية) لاينطبق على (البلد المدينة) ..

وإيران ..بيدها الطولى في العراق وسوريا ولبنان تمتحن ولاء (مريديها) يوميا في هذه الساحات وهي تنظر لساحات بعيدة!..

وما يحرك القوة التركية اليوم كما يحرك القوة الإيرانية ليس الإسلام ..

لا فكر الاسلام السني يحرك تركيا ولا فكر الاسلام الشيعي يحرك إيران ..

الذي يحرك مكامن القوة فيهم هو القومية ..

وكلما تسلق حزب يمثل طائفة ما سلم السلطة في أي بلد عربي كلما إزددنا فرقة..وإشتعلت نار الكراهية بين مكونات الشعب الواحد..ووصل الأمر للعائلة الواحدة ..وحتى بين المرء وزوجه !..

ولايمكن أن تسمع من مسؤول طائفي وصل للسلطة من حزب ديني ومهما كان تحصيله الدراسي وطبيعة عيشه السابق غير لغة الإنتقام التأريخي لفرصتهم التي إغتصبها الحاكم أو الطائفة الأخرى..

لاتسمع من هؤلاء عن برامج الإصلاح ولا عن كيفية بناء المستقبل المشرق بل يتركز الحديث على كيفية الإستمرار على ( العيش في الماضي) وإجترار عبر الثأر من أيامه!..

أيها الإسلاميون ..أينما كنتم..

شيعة وسنة..

إن ما يواحهنا اليوم مؤامرة على هويتنا الوطنية لشعب يتعايش فيه الجميع بكل إنتماءاتهم وأديانهم وطوائفهم بوئام وأخوة وتعاون وهم يحمون أسوار الوطن ويشيدون عمرانه وبناءه..

عليكم أن تفهموا جيدا ..إذا كان من قوة تستطيع أن تخلق تجربة قوية لنا نحن العرب وإن كنا متفرقين اليوم  في دويلات فهي القومية العربية ..

وهويتنا العربية هي القادرة على مواجهة هذه التحديات ..وليس من نصر على أعدائنا ومشاكلنا بهويات طائفية تشعل نار الحرب بين مكونات الشعب الواحد..

الأمة العربية بشخصيتها وتأريخها قادرة على وقف المد الديني المتطرف والمتعصب للمذهب ..وهي الخيمة التي تحمي كل المذاهب والأديان والطوائف..

ولكي تكون الامة العربية قادرة على إحتضان بقية القوميات عليها أن تكون قومية حب وتسامح وعرفان بالجميل لكل من سكن وإستوطن وبنى وعاش على تراب اوطانها وأخلص لحليب أمه والتراب الذي يحتضن أجداده..

وعلى القادة العرب أن لاينسوا التأريخ أبدا..

لانقول نجتر من سطوره ما يزيدنا غلظة وإنتقاما..بل ما يجعلنا نؤمن بأن السيرة العادلة والنزاهة والتعفف أساس الهامة المرفوعة عاليا مهما كانت النتائج!..

ومن وصل بقطار غيره كما حدث في العراق فعليه أن يتذكر إن عليه إستحقاقات وأمامه شعب يقرأ كل الذي بين السطور..

ومن لازال في السلطة في مكان آخر عليه أن لايضيع فرصة المراجعة للذات ..وكلما إقتربنا من حاجات وهواجس الناس كلما كشفنا زيف الشعارات ..

وشعوبنا تغفر السهو والنسيان ..

وإن عدتم عدنا..