الأدب في "زمن الذقون"

الأدب في "زمن الذقون"!

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

أدمن الشيوعيون والعلمانيون في الأعوام الستين الأخيرة منهج الإقصاء والتعتيم والاستئصال ضد كل من لا يشاركهم أفكارهم الدموية ورؤاهم المادية وخاصة من ينتمون إلى الإسلام ، وقد وجد فيهم النظام المستبد الفاشي أداة رخيصة يستخدمها في هجومه المستمر على الإسلام والمسلمين  ، فهم يتميزون بالجرأة والبذاءة والوقاحة في معاركهم الأدبية ، ومجادلاتهم الفكرية ، وهو ما يدفع الناس إلى تجنبهم وإيثار السلامة ، واللجوء إلى الصمت نجاة بمشاعرهم وقيمهم من التلوث ، والأذى !

ستون عاما وهم يسرحون ويمرحون بأموال الشعب المصري المسلم من خلال وزارات الثقافة والإعلام والتعليم ، والصحف والدوريات ودور النشر ، والمؤسسات العلمية والثقافية ومنابر التوصيل المختلفة .

وقد فاجأتهم ثورة يناير بتحرير الإسلام والمسلمين من قيود البطش والقهر والسجون والمعتقلات والحصار والمطاردة ، فبوغتوا بشعب يرفض الشيوعية والليبرالية والعلمانية ، ويحن إلى إسلامه الذي طارده الطغاة طويلا ، ووجد الشيوعيون وأشباههم أن الدنيا لم تعد لهم وحدهم ، وأن هناك من يمثل الأغلبية الساحقة موجودا وكائنا بالساحة ، يقدمه الناس ليكون وكيلا عنهم في بناء الوطن المظلوم الذي حرم من المشاركة في تقرير مصيره طويلا ، وتعرض لأقسى حملة عاتية كي يترك دينه وقيمه ولغته ، ويتحول إلى مسخ شائه ذليل لا قيم  له بين العالمين .

منذ أسابيع صدرت مطبوعة شيوعية تنشرها مؤسسة صحفية قومية وعلى صفحة غلافها صورة رسمها شيوعي محدود الموهبة ، ملأ الغلاف بصور نساء متغطيات بالسواد لا يظهر من وجوههن شيء ، وفي الجزء الأسفل من الغلاف تبدو وسط النساء صورة امرأة فرعونية بملامحها الجميلة مكشوفة الصدر والذراعين فوق رأسها تاج ذهبي ، وتحت الرسم عنوان رئيسي :  ( الثقافة والفنون في زمن "لدقون " ! ) وكلمة الدقون هنا بالدال بدلا من الذال التي جاءت في عناوين الموضوع بالداخل.

الرسم والعنوان يشيران إلى أن الإسلام – دعك من الحديث عن السلفيين وغيرهم – يمثل ظلاما وتخلفا لا يليق بالمصريين ولا الإنسانية ، وأن الأمل يتمثل في الردة إلى الفرعونية الوثنية التي تمثل الجمال والتحرر ، والانطلاق !

الرسم والعنوان تشهير صارخ بالإسلام والمسلمين من جانب مجموعة شيوعية سخرت المطبوعة التي يملكها الشعب المصري المسلم وينفق عليها من دماء الفقراء والمعدمين الذين ينتمون إلى الإسلام  وينحازون إليه وأكدوا هذا الانحياز في انتخابات نزيهة شفافة لم يحصل فيها الشيوعيون على مقعد واحد بصفتهم الشيوعية .

لن نجادلهم أن أعظم الأدب الإنساني شعرا ونثرا أنتجه أدباء مسلمون يؤمنون بدينهم ولا يفرطون فيه ، و لن نقول لهم إن كبار الأدباء العرب من المسلمين وغير المسلمين ؛ على مدى عصور الإسلام ، هم الذين انحازوا إلى هذا الدين واغترفوا من معين قيمه وأخلاقه ، ولن نخبرهم أن الأدباء الشيوعيين في بلد المنشأ أو في البلاد العربية لم يقدموا أدبا ذا قيمة حقيقية ، بل سقط مع سقوط الدعاية الشيوعية الحكومية المدعومة بالمدفعية الإعلامية الثقيلة !

نقول لهم فقط إنكم لا تستطيعون بل تجبنون أمام اللحى النصرانية واللحي اليهودية ، ولا يمكنكم مهاجمتها أو الزراية بها والسخرية منها ، لأن أصحابها قادرون على تلقينكم دروسا قوية في الأدب وحسن السلوك .

تمنيت أن يتعلم الشيوعيون المصريون من الشيوعيين التوانسة الذين اعترفوا بالأمر الواقع وهو عدم قبول الشعب للشيوعية والشيوعيين ، وراحوا يصححون أخطاءهم الفادحة ، بل إن رئيس الجمهورية التونسية – وهو يساري معروف - اعترف أن التونسيين يؤمنون أن الإسلام هو الحل لمشكلاتهم .

إن الاعتماد على الهجاء والاتهام بالتمويل النفطي وتجاهل الثقافة والفنون لن يحل مشكلة السادة الشيوعيين ، ولن يلغي وجود الإسلام وثقافته الإنسانية التي ترفض القبح الشيوعي والبؤس المادي . لست معنيا بالرد على اتهامات الشيوعيين ، ولكن الإسلاميين - فيما أعلم - ينفقون من جيوبهم ، ويوزعون التبرعات على الفقراء والكادحين واليتامى والأرامل ، الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا !