هل صندوق الاقتراع دائما هو الحل

زهير سالم

[email protected]

هل يصلح صندوق الاقتراع الجميل الذي نتطلع إليه حلا وطنيا مقنعا يحصد دائما الطمأنينة والرضا الوطنيين؟! وهل تشكل الإحالة إليه عند طرح كل تساؤل وطني جوابا مسكتا مصادرا لكل استشراف، قاطعا للطريق على كل دعوة للتفكير أو للحوار؟! ألا يمكن أن يكون لصندوق الاقتراع ، ولو الحر النزيه ، شياطينه أيضا؟! وهل يمكن أن تكون له ارتداداته الخطيرة أيضا ؟!

ينام على الحرير من يأمل بصندوق اقتراع مليء..، وأحيانا يلقي الجواب على المتسائلين حوله بفوقية لا تليق: يحسم خلافنا صندوق الاقتراع غدا، وفي الوقت نفسه تفزع سمادير الرؤى آخرين ..!!

 هل حقا يستطيع صندوق اقتراع ولو حرا ونزيها أن يحسم المشكلات، ويحصد الرضى والطمأنينة على الصعيد الوطني..؟!

حين أفتح باب ( علام يتساءلون ).. وأقلب وجوه الافتراض: لي وعلي، على ما أحب ويكره غيري، وما أرضى ويسخط سواي ... أستشعر خطورة المأزق في الحمل على الإكراه ولو بالتصويت.

أعلم أن الصندوق يمكن أن يكون لي أو علي، أو يكون يوما ويوما ، أو مرة ومرة، وفي أمر وأمر، وأسترسل في التخيل كيف يمكن أن أطمئن أو أن يطمئن سواي..

 أتحدث عن مأزق ديمقراطي حقيقي عن وعي وإدراك. لأنني أتفهم أن في الحسم بالتصويت نوعا من كسر الإرادة لفريق وطني لحساب فريق، وفيه حين يمتد من العام الجماعي إلى الخاص الفردي ومن السياسي إلى الاجتماعي تدخلا في خصوصية لم يتعود عليها سلوكنا الجماعي من قبل.

 كثيرون يفكرون في صندوق اقتراع يخدم تطلعاتهم، ويحقق آمالهم. ولكن صندوق الاقتراع ليس وفيا دائما، وكثيرا ما يخذل المؤملين فيه، قد تنشأ الثقة المطلقة بصندوق الاقتراع عن غرارة أو عن غرور أو عن سوء تقدير. وقد ينشأ عن المفاجأة بنتائجه غير المتوقعة بعض ما ينشأ من هرج في شغب الملاعب لفريق تفجؤه خاتمة غير سعيدة.

استمعت إلى صاحبي يتحدث بحماسة عن كفالته للحريات العامة في الرأي والتعبير، يشرق ويغرب متغزلا بالحرية بأكثر مما فعل بليلى المجنون..

سألته عن حقيقة ما يقول فأكده، أعدت عليه السؤال مفصلا ببعض التمثيل فتلعثم، ذهبت أبعد فسألته عن الخط الفاصل بين ما يعتقد أنه من الحرية الفردية التي يمارسها الفرد في بحبوحته بعيدا عن التقنين والضوابط الاجتماعية التي لابد منها لحماية قيم المجتمع وصون الأخلاق العامة فشعرت أنني أدفعه في ضباب. وكلما أوغلت معه في الاجتماعي المقابل للسياسي، وفي الفردي المقابل للجماعي كان الضباب يزداد كثافة حتى بدونا نخطو خبط عشواء وكأننا لا نعرف من الحرية إلا اسمها..

لا أستطيع في هذه المقاربة أن أطرح الكثير من المبهمات. مجرد التوصيف يثير المشكلات. أدرك أن البعض تتملكه الهواجس والمخاوف وأقدر ذلك، وأدرك أن الكثير من الكثير المطمئنين لا يدركون أبعاد ما يخافه الآخرون...

قد لا يكون تعبير دكتاتورية الأكثرية قابلا لاختصار المشكلة. في التداولية الديمقراطية ما أخاف أنا منه وما تخاف أنت منه أيضا. وما تخاف أنت منه اليوم قد أخاف أنا منه غدا.

أعتقد أن علينا أن نفكر في هذا معا، أن نفكر فيه بأريحية، ربما علينا أن نبدأ بحسن الظن المتبادل. ثم لنفكر كيف أحميك من مخاوفك وتحميني من مخاوفي؟! هذه هي الأرضية التي يجب أن نؤسسها معا..

أعتقد أننا في إطار الحراك الديمقراطي لا بد لنا من أرض ومن سقف. وأعتقد أنه كلما كانت الأرض صلبة والسقف مرتفعا كانت الطمأنينة الوطنية أكبر.

 أتمسك بأنني لن أسمح لك يوم تملك في صندوق الاقتراع عدد أصوات أكثر أن تتدخل في اسم ابني، ولا في ثياب ابنتي، ولا في عنوان الكتاب الذي أقرأه ، ولكن ماذا عن اسم ولدك، وثياب ابنتك، والكتاب الذي تريد أن تقرأه أنت؟! هذا جانب من جوانب المشكلة التي يتخوف منها بعضنا ويتجاهلها آخرون.

مع إدراكي لحقيقة المشكلة بحذر أقاربها. وكما للحرية بعدها السياسي الذي نهتف له جميعا لها بعدها العقائدي والفكري والثقافي والاجتماعي و.....، وكما لها دائرتها الجماعية لها دائرتها الفردية أيضا. هذه الدائرة أحوج ما تكون اليوم إلى فرجار المهندسين الذين يحددون المركز، ويمدون نصف القطر، ويرسمون المحيط. لتطمئن المتخوفات ويطمئن المتخوفون...

نحن بحاجة للتفكير فيما نحن فيه لنضبط إيقاع الهواجس اليوم، ولنستشرف آفاق الغد القريب، ونعمل على الاستعداد للقادم للمشاركة في صنعه إن لم نكن قادرين على صياغته كاملا..

                

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية