حزب الله، يمهد لفتح قنوات حوار مع الحركات الإسلامية،

حزب الله،

يمهد لفتح قنوات حوار مع الحركات الإسلامية،

والتخلي عن بعض تحالفاته

حسان قطب

سياسة إطلاق المواقف السياسية والإشارات الدبلوماسية أسلوب كان سبق أن اتبعه الرئيس بري مستخدماً طريقة التسريبات الإعلامية والمصادر القريبة والجهات العليمة وما يتسرب على لسان زوار قصر عين التينة والمجلس النيابي، ولكن كما يبدو ومنذ فترة قريبة بدأ حزب الله بإتباع الأسلوب عينه للإعلان عن مواقفه وتوجهاته وقراءاته وخططه وتحليلاته السياسية وكذلك بما يتعلق بقدراته الأمنية وطموحاته العسكرية وذلك عبر التسريبات الإعلامية من خلال أقلام أصدقاء ومحازبين أو تابعين ومؤيدين أو على ألسن كتّّاب وخطباء وسياسيين مرتبطين بهذا الحزب بشكل أو بأخر.. والسبب كما يبدو هو سعي حزب الله للنأي بنفسه عن تحمل تبعات هذه المواقف أو نتائج هذه التحليلات والقرارات أو للتنصل من عواقب فشل سياساته واستراتيجياته باعتبار انه لم يعلن عنها رسمياً ولم يتبن أصلاً مضمونها علناً أمام الملأ..إضافةً إلى أنها رسائل في اتجاهات معينة ومحددة. ومؤخراً صدر مقال كتبه احد الأصدقاء يتضمن ما ذكر انه مخطط حزب الله للتعاطي مع الشأنين الداخلي والخارجي في المرحلة المقبلة، لذا وجدنا من المفيد مناقشة مضمونها..

-        البند الأول جاء فيه: (حماية الاستقرار الداخلي اللبناني ومنع الانزلاق نحو أية مشكلة أمنية أو سياسية، مع تأكيد أهمية دور المقاومة والحفاظ عليها من أية خروقات داخلية أو خارجية). هذا البند يتناقض مضمونه مع واقع الحال في الداخل اللبناني، وكان ما ورد فيه إنما يتضمن تمنيات أو انه رسالة نفض يد ورفع مسؤولية من الأحداث الأمنية التي تجري وتقع بوتيرة يومية وخطيرة في آن معاً..ومثال على ذلك الحادثة التي جرت في منطقة الشويفات وطريقة المعالجة، التي أوضحت مدى وعمق عشائرية تطويق تداعيات الحادثة التي جرت خارج الأطر القانونية والرسمية بطريقة تعبر عما وصل إليه حال الاستخفاف بالقوانين واحترام الإنسان والمواطن، والقدرة بل الرغبة لدى البعض في انتهاك حرمة أملاك المواطنين وحريتهم في التنقل، مع ضمان الرعاية والعناية والتأييد والتدخل للمعالجة من قبل المرجعيات السياسية الضامنة لممارسات هذا الفريق.. أما الاستقرار السياسي، فسياسات هذا الحزب تناقض هذا الفهم وهذا الطرح وهذه الرغبة منذ أن دخل المعترك السياسي تحت شعار المقاومة وبحماية سلاحها كوسيلة إقناع جاهزة وغب الطلب لكل من يخالف سياسات وتوجهات ومشاريع حزب الله في لبنان المنطقة..اللهم إلا إذا كان المطلوب الاستقرار السياسي تحت عباءة ونهج حزب الله ومحوره الممتد من طهران عبر بغداد وصولاً إلى دمشق وحارة حريك.. والمقاومة بناءً على هذا البند أصبحت بحاجة المواطن اللبناني لحمايتها من الخرق والاستهداف، بعد أن كان دورها الأساسي هو حماية اللبنانيين من العدوان..

-        البند الثاني ورد فيه: (إعطاء الأولوية للوحدة الإسلامية والوطنية والوقوف بوجه أي محاولة لتأجيج الفتن المذهبية والطائفية والسعي إلى معالجة أية مشكلة تحدث بأقصى سرعة ممكنة). كيف يمكن أن تترسخ الوحدة الإسلامية وتتعمق الوحدة الوطنية، ونحن نعيش تداعيات مشكلة أراضي الكنيسة المارونية في لاسا في منطقة جبيل، ووضع اليد على مسجد الظاهر بيبرس التابع للأوقاف الإسلامية السنية في مدينة بعلبك، ناهيك عن الاستيلاء على الأراضي العامة والخاصة التابعة لمؤسسات وقفية وجمعيات أهلية وأفراد إضافةً لأملاك الدولة للبنانية. كما أن المواقف السياسية المعلنة وعلى شاشات الإعلام والصحافة المرئية والمكتوبة تستهدف رموز وشخصيات وحتى مبادئ وثوابت تخص هذه الطائفة أو ذاك المذهب..وتعطيل بعض التعيينات الرسمية وإطلاق اتهامات بالعمالة والارتباط بالإرهاب وإلى ما هنالك من أوصاف ونعوت لا تؤسس سوى لجو مشحون وملتهب ومشاعر حانقة ونفوس متوترة، لذا من الضروري وتجنباً لحصول أي خلل وإبعادا لشبح الخلاف المذهبي والطائفي وحرصاً على عدم إعطاء المصطادين في الماء العكر سواء في الداخل أو الخارج من اللعب على هذا الوتر الحساس، والتزاماً بنص ما ورد في سياق هذا البند لا بد من إعادة النظر بهذه الممارسات وضبط التصريحات والابتعاد عن الممتلكات حتى يتوافق ما نشر أعلاه مع الممارسات التي تؤكد الالتزام بمضمون هذا النص..وإلا فإنه سيكون حبراً على ورق..كما يجب على حزب الله أن يتعامل مع القوى اللبنانية على أنها قوى سياسية وليست جماعات طائفية ومذهبية، والتشكيل السياسي لحزب الله وطريقة تعامله مع هذه القوى تؤكد هذا الأمر(مسؤول شؤون الطائفة السنية، مسؤول شؤون المسيحيين، مسؤول الشؤون الدرزية، وألخ)..

-        البند الثالث نص على: (الانفتاح على القوى الإسلامية في لبنان والمنطقة والبحث عن أفضل السبل لزيادة التنسيق والتعاون مع مختلف الحركات الإسلامية وخصوصاً «الإخوان المسلمين» مع مراعاة ظروف هذه الحركات في كل بلد على حدة). بدايةً الانفتاح يكون عبر فهم خصوصية كل فريق وطبيعة فكرة ودوره، واحترام ثوابته وجمهوره وتاريخه. ولكن ما نراه ونشهده هو محاولات حثيثة من قبل حزب الله للتدخل في شؤون الأحزاب  والقوى الإسلامية، فمحاولات شق صف هذه الأحزاب تسير على قدم وساق وقد استهدفت الجماعة الإسلامية التي تعتبر الجناح الرسمي لحركة الإخوان المسلمين في لبنان مرات عدة من قبل قيادات حزب الله لشق صفها وتحجيم دورها بل وحتى محاولة الإجهاز عليها لو قدر لها ذلك، وبالرغم من كل هذا فإن قيادة الجماعة الإسلامية لا تزال حريصة على إبقاء علاقاتها مع حزب الله ولو بحجم شعرة معاوية بحيث لا تنقطع، ولكن الود مفقود، والأسباب كثيرة.. كذلك فإن حركة الإخوان المسلمين في العالم العربي والإسلامي تتعرض لحملة شديدة من قبل إعلام حزب الله ولكن على لسان ضيوف برامجه السياسية والإعلامية برغبة من قيادة هذا الحزب وبإشارة منه كما يقول بعض هؤلاء في لقاءات خاصة. وكذلك الحركة السلفية التي تتهم باتهامات شتى على شبكة هذا الإعلام، إضافةً إلى اتهام الشارع الذي يحتضن هذه الحركات بالالتحاق بالفكر التكفيري والاقصائي إلى ما هنالك من عبارات اتهامية وتخوينية..وما يتم تداوله في لبنان ينطبق على الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، والتناقض يقع حين يحاول إعلام حزب الله مدح حركة حماس وشتم حركة الإخوان المسلمين في سوريا وكليهما حركة واحدة تحملان نفس الفكر ويخضعان لمرجعية واحدة.. فمحاولة التفريق والتجزئة والتقسيم والتمييز لا تنفع إلا إذا كان حزب الله يتجاهل هذه الحقيقة..

-        وأعطى حزب الله أيضاً أولوية للوضع السوري كما نص البند الرابع بقوله: (حماية الاستقرار في سوريا نظراً إلى الدور السوري في دعم المقاومة مع دعم عملية الإصلاح السياسية لأنه ليس من مصلحة أحد أن تستمر هذه الأزمة لما لها من تداعيات خطيرة). بالفعل ليس من رغبة لدى أي فريق في ولا حتى المعارضة السورية أن تستمر الأزمة إلى ما لا نهاية ولكن من المستحيل بل من غير المقبول أن يكون رأس الشعب السوري برمته ثمناً لمواقف نظام سوريا المؤيد لمشروع انتشار نظام ولاية الفقيه في العالم العربي والإسلامي. وقد أخطا حزب الله أعطى نفسه بنص هذا البند حق الدفاع عن نظام سوريا بل جعلها جزءاً من مسؤوليته، وعندما وضع نفسه في خانة المفاضلة بين تأييد شعب مظلوم مقهور تعداده 23 مليون نسمة وبين تأييد نظام ديكتاتوري قمعي، سرعان ما ينفض عنه مؤيديه حين تلوح بوادر انهياره في الأفق.. ولا يعفيه من المسؤولية تلميحه إلى ضرورة إجراء إصلاح سياسي في سوريا لأن هذه الفقرة تتضمن اعترافاً واضحاً بفساد وسوء هذا النظام وبضرورة تغييره..

 هذه البنود التي وردت على أنها خطة حزب الله للتعاطي مع المرحلة المقبلة، تبدو حالياً وكأنها تنفذ في بلد غير لبنان وفي محيط إقليمي أخر.. باستثناء سوريا حيث يتورط حزب الله وينخرط عميقاً في أوحال الأزمة السورية وكل يوم يشتد العداء لهذا الحزب ومشروعه ولفكره وثقافته، وما يخيف حزب الله بالفعل هو أن الثورة ستنتهي بلا شك بتغيير نظام الأسد..إلا إذا كان الهدف هو فتح قنوات حوار مع الحركات الإسلامية لأنه بالفعل هناك محاولات جدية من قبل حزب الله تسعى لفتح قنوات اتصال مع قيادة الإخوان المسلمين في مصر وسوريا وإطلاق حوار سياسي وفكري وديني معها بوساطة من حركة حماس وغيرها..إذاً المقصود من نشر نقاط وبنود وأفكار تتضمن هذه التوجهات والرؤى السياسية للمرحلة المقبلة هو محاولة استدراج عروض إضافةً لإطلاق رسائل إعلامية غير مباشرة  لبناء علاقات وطيدة مع الحركات الإسلامية تقوم على أسس جديدة وتهيئ لحزب الله الانتقال من حالة العداء للحركات الإسلامية وجمهورها في لبنان والعالم العربي وصولاً لمرحلة أقل توتراً ومن ثم تطوير هذه العلاقة لاحقاً.. ولا شك أن هذا يتم بناءً على طبيعة المتغيرات التي جرت في شمال أفريقيا وتلك اللاحقة التي ستقع في سوريا..ولا ندري حينها ماذا سيكون مصير تحالفات حزب الله الأخرى وهو الذي يستنزفها في التهجم على الحركات الإسلامية وسياساتها.. وما على هذه القوى سوى مراجعة حساباتها..