العقبات التي تقف في طريق النهوض

محمد إسماعيل الخطيب

محمد إسماعيل الخطيب رحمه الله

إن علاج الداء لا يتم إلا إذا أحسن تشخيصه، وعرفت أسبابه الحقيقية، وصدقت الرغبة في علاجه، على أن يكون استئصالاً له وليس مجرد تسكين والمهم أن نلتمس الشفاء ممن يعلمه حتى لا نعالج داء بداء.

ولقد حدد الدكتور سعد الدين إبراهيم هذه الأدواء والتحديات في أربعة أمور هي: التخلف والاستغلال والاستبداد والتبعية، وأضاف إليها الدكتور يوسف القرضاوي ثلاثة أخرى هي: التخاذل والتمزق والتسيب لتصبح الهموم سبعة كاملة، وللصحوة الإسلامية نظرة خاصة في تشخيص هذه الأدواء وعلاجها، وهي نظرة تتصف بالشمول والعمق، وهي ترى أن الخطر في العلاج يكمن في فقدان النظرة الشمولية العميقة لهمومنا، ويتمثل ذلك في:

1- النظرة الجزئية: التي تنظر في كل أمر منفصلاً عن غيره، فهي تنظر إلى الاقتصاد منفصلاً عن السياسة، أو إلى التشريع معزولاً عن التربية، وإلى المجتمع بعيداً عن الفرد (فالحياة كلها نسيج واحد متصل اللحمة بالسدى) ذلك أن كل واحد من هذه الجوانب يؤثر في الجوانب الأخرى سلباً أو إيجاباً، ومن الواضح أن التربويين يريدون من الإعلاميين ألا يهدموا في الليل ما تشيده المؤسسات التربوية في النهار، ولهم مطالب أخرى من السياسيين والاجتماعيين إلخ.

كما أن للفئات الأخرى مطالب عن التربويين وهكذا، فإذا أردنا التغيير والإصلاح حقاً فلننظر ماذا تريد شرائح المجتمع وفئاته المختلفة بعضها من بعض، ولا بد من تعاونها معاً ليتحقق الإصلاح المنشود، وإلا فإن الإعلام قد يهدم ما تبنيه التربية، والمدرسة قد تنقض ما يشيده المسجد، والسياسة قد تهدم كل ما يبنيه هؤلاء.

2- في النظرة السطحية: وتبدو في اعتقادنا أن همومنا ومشكلاتنا مادية محضة، وأننا بإمكاننا معالجتها بعيدة عن الإيمان والأخلاق، كما أن من السطحية أن نظن أننا بمجرد أن ننادي بالإسلام شعاراً أو نغير مواد القانون الوضعية يحصل الشفاء، متجاهلين قول الله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

إن التغيير يحتاج إلى عمل طويل النفس، وتوجيه متعدد الجوانب، متعدد الوسائل، وتربية عميقة الجذور، والإصلاح يحتاج إلى تخطيط مدروس، ورؤية واضحة لمشكلاتنا، ورجال  يجمعون بين القوة والأمانة والفهم السديد والإخلاص.

2- في النظرة الآنية: التي تعنى بهموم الحاضر في غفلة عن المستقبل، فمن العيب على هذا الجيل أن يفرط في رزق الأجيال القادمة، ليحل مشكلته حلاً مؤقتاً مما أفاء الله به من النفط والمعادن ومصادر الرزق الأخرى، كما لا يجوز له أن يتوسع في الاستهلاك ويستقرض المليارات بالربا الماحق. ليحمل أعباء هذه الديون للأجيال اللاحقة.

وقد جاء عن أبي بكر رضي الله عنه قوله: لا يعجبني الرجل يأكل رزق أيام في يوم واحد كالأب المسرف الذي ينفق كل ثروته في حياته، ويدع ورثته من بعده لا مورد لهم يقيهم ذل السؤال، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن تكون الوصية أكثر من الثلث.

4- في النظرة التلفيقية: وهي التي تحاول التوفيق بين فلسفات وأفكار متنافرة الأصول، متباينة الغايات، متعارضة المناهج، كالجمع بين الإسلام والعلمانية أو الإسلام والماركسية أو الرأسمالية، أو بين الحضارة الإسلامية عموماً والحضارة الغربية، فذلك ضرب من العبث بعقول الناس وإضاعة للوقت والجهد.

أما الذي نراه فهو الاقتباس والتطعيم، على أن يظل الأصل متميزاً، فهما يتعلقان بالوسائل لا بالأهداف، وبالفروع لا بالأصول.

5- في النظرة التبريرية: وهي التي تقوم على تبرير الواقع القائم الذي فرضه الاستعمار علينا، كما فعل حين أدخل القوانين الوضعية، وألغى الشريعة الإسلامية، وعمل بمكر وخبث على علمنة الأفكار والمشاعر والتقاليد، إلى جوار علمنة التشريع.

6- النظرة القطرية: التي يقول كل قطر فيها نفسي نفسي أو بلدي بلدي أولاً، ويتوهم أنه يستطيع أن ينجو بنفسه لو عاش وحده متجاهلاً أن هذا العصر عصر التكتلات الكبيرة التي لا مكان فيها للصغير.