القدس الشريف العاصمة الأبدية لدولة فلسطين

أسامة جبر كحيل

رئيس إتحاد المقاولين الفلسطينيين

النائب الثاني لرئيس إتحاد المقاولين العرب

الحركة الفلسطينية في العالم لحشد التأييد لقضايانا العادلة شابها في السنوات الماضية الكثير من الضعف والترهل..وشعوب العالم التي كانت تتابع القضية الفلسطينية وتطوراتها وتعرف تفاصيل دقيقة لما يدور فيها من أحداث..أصبحت لا تعرف الكثير... كنتيجة طبيعية لضعف التحركات الفلسطينية والناجمة عن الانشغال في الصراعات الداخلية..وغياب إستراتيجية فلسطينية موحدة ونشطة لتجنيد الدعم لشعبنا ومطالبه..ولكسب الدعم لحقوقه الوطنية الغير قابلة للتصرف.... بدا لنا وكأن بريق القضية الفلسطينية خفت حتى كاد أن ينطفئ ونحن نتصارع هنا علي جنس الملائكة .

عقد في مدينة اسطنبول في الفترة من 6-7/12/2011 المؤتمر الصناعي العربي التركي والهادف لتعزيز العلاقات الاقتصادية التركية العربية..والذي حضره معالي وزراء الصناعة في الدول العربية وتركيا تحت رعاية دولة رئيس الوزراء/ الطيب اردوغان... ويأتي هذا المؤتمر في ظل متغيرين مهمين أولهما هو الربيع العربي ...ذلك الإعصار الهادر الذي يحمل معه بوادر متغيرات جذرية في المنطقة العربية..ويبشر لعصر جديد مختلف لنهضة تعني أولا بالمواطن العربي وتنميته علي حساب برامج الأقليات الهامشية الحاكمة والمجيرة للوطن ومقدراته لمصالحها الخاصة علي حساب أوطانهم وشعوبهم ...والمتغير الثاني هو ذلك التحول النوعي في سياسة الجمهورية التركية باتجاه عودتها إلي عمقها الإسلامي بعد عقود من الدوران في فلك الغرب.

قبل الحديث عن هذا المؤتمر وما تم به من انجازات فإنني أود التطرق عن موضوع في غاية الخطورة وهو ما ذكرته في مقدمة هذا المقال...لقد صدمت وأنا أطلع علي دليل المؤتمر الذي يعرف بالدول المشاركة حيث ورد فيه بأن مدينة رام الله هي عاصمة فلسطين...لقد شعرت بمرارة من مدي الترهل الذي أصاب حركتنا الفلسطينية في العالم...ووقفت مصدوماً وأنا أري الجمهورية التركية ذات المواقف البطولية المشهود لها... والتي تحدت دولة الاحتلال في أكثر من موقف مشرف ودفعت دماء الشهداء في مؤازرتها لشعبنا ورفع الحصار الظالم عن محافظات غزة تقع في هذا الخطأ.. متسائلا أيعقل بأن تركيا المسلمة والتي تقف بلا تردد إلي جانب شعبنا تقوم بتجاهل القدس كعاصمة لفلسطين..وهل الحكومة التركية وعلي رأسها دولة رئيس الوزراء/ الطيب أردوغان ..الذي نحمل له كل الحب والتقدير علي مواقفه البطولية الشجاعة لنصرة فلسطين... تسمح بمثل هذه الغلطة.

لقد شعرت بغصة في حلقي وألم... وثارت في داخلي ثورة عارمة ..فتحدثت في المؤتمر مخاطبا الحضور : بأنه ورد في كتيب التعريف بأن رام الله هي عاصمة فلسطين.. وأخبرتهم بأنني لن أتحدث بصفتي التمثيلية كرئيس لاتحاد المقاولين الفلسطينيين  بل سأسمح لنفسي بالتحدث باسم كل الفلسطينيين في العالم  قائلاً:نحن الفلسطينيين لا نقبل بغير القدس الشريف عاصمة حتى لو أعطونا لندن وباريس ونيويورك عاصمة بديلة..فالقدس الشريف هي قلب كل فلسطيني ولا حياة لنا بدون قلب..ورغم تبرير إدارة المؤتمر لذلك بأنه سقط سهواْ!!!..ألا أن هذا التبرير لا يمكن قبوله فالقدس الشريف أمر لا يمكن السهو فيه ولا يحتمل المغالطات ولا حتى الأخطاء المطبعية.

لذا فأنني أتوجه إلي دولة رئيس الوزراء / الطيب أردوغان مطالباً الرجل الصادق والوفي لفلسطين..بأن يوجه تعليماته لكافة المؤسسات والجامعات والهيئات التركية بضرورة التدقيق في كل ما يصدر عنها بخصوص فلسطين بشكل عام والقدس علي وجه الخصوص..وضرورة نشر التوعية والمعلومات فيما يتعلق بقضية فلسطين..فنحن يوجعنا أن يحدث أمر مماثل من دولة نعتبرها حليفتنا ودرع واقي لشعبنا ..وأقول هنا بأن القدس الشريف ليست هي عاصمة فلسطين فحسب بل هي عاصمة كل العرب والمسلمين..ولكن وقبل أن نعاتب الجانب التركي فأنا أسأل أين دور السفارة الفلسطينية في تركيا وماذا تفعل وكيف يفوتها مراجعة وتدقيق أمر حساس كهذا..أين دورها في حشد الدعم لفلسطين وأين متابعتها للإصدارات والمطبوعات ..الخ مما ينشر في تركيا..وكيف يمكن أن نقبل التقصير منها فيما يتعلق بالقدس الشريف عاصمة فلسطين الأبدية شاء من شاء وأبي من أبي .

أن هذا الحدث يعيدنا للحديث عن الحركة الفلسطينية وحيوية قضيتنا... والتصدي لكل محاولات إغراقها في النسيان..إن ضميرنا الفلسطيني يناشدنا ويلزمنا جميعاً بالترفع عن الغرق في وحل الصراعات الداخلية .. والعمل علي بناء إستراتيجية فلسطينية إعلامية تحشد المواقف الداعمة  لصالح فلسطين والقدس ..نعم علينا أما أن نكون أبناء هذا الوطن فنهب للدفاع عن حقنا أو نستقيل من هويتنا التي لم نعد نعمل بها..فكل يعمل لأجندته الخاصة والفئوية فقط..لذا فإنني أناشد الرئيس محمود عباس بإعطاء توجيهاته لكافة السفارات الفلسطينية للتحرك المنظم لتثبيت حقوقنا في ضمير العالم وعلي رأسها أن القدس الشريف هي عاصمة فلسطين.

لقد شهدنا فيما مضي عصراً من الحركة الفلسطينية الهادفة والناجحة..كانت شعوب الأرض تعرف عن قضيتنا الكثير في جذوة النضال الفلسطيني..بل كان الفلسطيني وكوفيته الشهيرة رمزا للأحرار والمناضلين في كافة بقاع الأرض..نعم كان الجميع يعرف فلسطين..لأنه كان لدينا قائد يركض ليل نهار ويتابع بلا كلل ولا ملل..ويتحمل كل التضحيات والإهانات أحيانا لتكون راية فلسطين وقلبها النابض القدس عالية خفاقة..نعم كان لنا نجاحات وكان العالم يحترم نضالنا ويحترم شعبنا..لأن هناك من حاول وجاهد وسهر وضحي واستشهد  لأجل فلسطين والقدس الشريف ولأجل مستقبل أجيالنا.

اليوم ونحن نشهد الصراع المرير الذي يخوضه الرئيس/ محمود عباس في جميع المحافل الدولية لكي لا تخبو فلسطين وقضيتها.. يلزمنا جميعا  بأن نكرس حياتنا وجهدنا .. مؤازرين لجهده لكي نحقق مشروعنا الوطني وننصر فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.

إن المستوي العلمي الثقافي لشعبنا..و الذي كان يوما يمتلك ثالث أعلي نسبة من الأكاديميين في العالم  ..لن نتركه يتهاوى ويجب أن يستيقظ ضمير من  يتقاسمون الغنائم علي حساب فلسطين وقدسها الشريف و تاركين شعبها وحيدا على مأدبة اللئام.

بالعودة إلي المؤتمر الصناعي العربي التركي..فقد جاء ليصنع فارقا في تاريخ المنطقة..من اقتصاد استهلاكي هش إلي بناء اقتصاد يرتكز للإنتاج ..ومن الارتباط الغير موضوعي بالغرب لبناء سوق عربية إسلامية..والي استثمارات مشتركة يتم فيها تبادل الخبرات وتكامل القدرات...وسيتم عقد المؤتمر القادم بإذن الله في شهر تموز 2012... في ليبيا الشقيقة والتي كان للوفد الفلسطيني لقاءات مطولة معهم..ولأن الوقت كان ضيقاً لم نتمكن من توقيع بروتوكول التعاون المشترك .. لذا سنقوم في اتحاد المقاولين الفلسطينيين بزيارة قريبة لهم ..لبناء علاقات جديدة من التعاون الاقتصادي يخدم فلسطين والأمة العربية جمعاء .

 كان لنا لقاءات متنوعة مع الوفود العربية المشاركة في المؤتمر..وفي الكلمة وورقة العمل المقدمة للمؤتمر ..نجحنا إلي حد بعيد في حشد التأييد لخططنا لأعمار فلسطين وتنميتها..وذلك استكمالاً لتحركنا الذي بدأ بمؤتمر اعمار وتنمية فلسطين والذي عقد بعمان في الفترة من 24-27/10/2011م...والذي سنواصله بالمزيد من اللقاءات والزيارات والمؤتمرات القادمة.

كما تم الإعلان عن توقيع بروتوكول لتدريب الفنيين مع مؤسسة التعاون التركية والهادف لتوفير الخبرات والطواقم اللازمة لاعمار فلسطين..ولقد حصلنا أيضا علي موافقة ودعم الأشقاء العرب لتوفير الدعم والتدريب والخبرات اللازمة لقطاع الإنشاءات في فلسطين..والذي تأخر توقيع البروتوكول معهم لصعوبة الظروف والمتغيرات التي حدثت في الشهور الماضية بسبب الثورات العربية التي صنعت الربيع العربي..واحتياج الدول العربية للوقت لترتيب أمورها الداخلية.

كما تم علي هامش المؤتمر العديد من اللقاءات الجانبية مع الشركات ورجال العمال والصناعيين ..وكذلك تم زيارة العديد من مراكز الإنتاج للإطلاع علي الصناعات الإنشائية الحديثة وكيف يمكن توظيفها لخدمة النهضة العمرانية في فلسطين تطبيقاً لإستراتيجية الاتحاد بالاعتماد علي العمق العربي والإسلامي في مجال توفير احتياجات فلسطين من المواد الإنشائية والخبرات ..والاستغناء نهائيا عن المنتج الإسرائيلي .

من هنا أناشد الجميع بالتحرك ليضيفوا نجاحات أخري في كافة المجالات..فحركة اتحاد المقاولين وما تحققه من انجازات ..لا يمكن ان تنجح لوحدها في أحداث النهضة الشاملة في كافة الميادين..وما حققناه حتى الآن يؤكد بأنه يمكننا إحداث ثورة تنموية لو بذلنا جميعا الجهد المطلوب لأجل فلسطين وشعبها واقتصادها الوطني.