حين كنتُ صغيرة -2-

سحر المصري

طرابلس - لبنان

[email protected]

حين كنتُ صغيرة..

كنتُ أتساءل.. مَن تحب أمّي أكثر؟!.. أبي.. أخواتي.. جدتي.. جدي.. أم أنا؟! كان حبي لها كبيراً حتى تكاد تكون محور عالمي كله.. وكنتُ أحلم أن أكون لها كذلك وأن تحبني أكثر من أي كائن على الأرض.. حتى أبي!

وحين وعيتُ..

عرفتُ أن لكلّ شخص نوعاً من الحب مختلف.. فحب الزوج نوع.. وحب البنت نوع.. وحب الأم نوع.. وحب الإخوة نوع.. وهكذا.. ومجرد مقارنة نوع بنوع هو محض سذاجة.. كمن يقارن فاكهة بخضار! ولكلٍّ طبيعة ونكهة!

حين كنتُ صغيرة..

كنتُ أظنّ أن غيرة النساء تمتد لتقضم قلب الزوجة الثانية لرجل أرمل.. فإن أتى على ذكر زوجته الأولى التي توفّاها الله تعالى اهتزّت وانتفضت واسشتاطت غضباً من غيرتها.. فلا ينبغي أن يتربّع على عرش قلبه سواها!

وحين وعيتُ..

عرفتُ أن الأرمل الذي ينسى زوجته الأولى ولا يذكرها ويثني على محامدها ليس من الوفاء في شيء.. وكما نسيها فسينسى الأُخرى.. وكأن حياته مع أيّ منهما هي فقط لتأمين حاجات آنيّة سرعان ما يتنكّر لفضل هذه أو تلك حين تُطوى صفحتها.. وعرفتُ أنه جميل أن تذكر الزوجة الثانية مَن توارت في الثرى إن أحبت زوجها.. فتلك قد رافقته سنين وخدمته واستوصت به خيراً.. فمن حقها أن تكون حاضرة في الوجدان وهي أختها في الله أولاً وآخرا.. وإن لم يكن من الأمر شيء فلا أقل من أن تنمو محبتها في قلبها لأنها أسعدت حبيبها يوماً ما! فلسفة قد تغيب عن كثير من النساء إذا تحكّمت الغيرة أو أمراض القلوب!

حين كنتُ صغيرة..

كنتُ أعتقد أنّ الداعية لا تنزل إلى ميدان الدعوة إلاّ حين تكون مكتملة الخصائص والمزايا والعبادة والعلم! فكنت كلما حضرتُ مجلس علم أخرج متحسّرة على نفسي أن زادي من العلم قليل.. وأنه لا أمل في أن أدعو إلى الله جل وعلا حتى أغترف بحر العلم كله! وكنتُ أنظر نظرة مثالية إلى الدعاة.. نظرة من لا تتوقع زللاً أو خطأً!

وحين وعيتُ..

عرفتُ أن كل إنسان هو داعية في أقواله وأفعاله ومعاملاته.. وأن عليه تبليغ ما يعلم ولو كان آية واحدة أو حديثا.. على أن يستزيد من العلم في كل حين ليسمو ويرقى.. وعرفتُ أن الكثير من الدعاة لا يرتقي لمستوى عال من الخُلُق والالتزام بما يقول.. وهؤلاء علينا أن نرحمهم وندعو لهم.. وأن نأخذ بأقوالهم لا بأفعالهم حتى لا يهزوا صرح إيماننا بالدعوة!

حين كنتُ صغيرة..

كنتُ أعتقد أنّ السعادة في الحياة الزوجية مقترنة بالأشهر الأولى.. حتى إذا ما غاب وهج الجمال فيها ووصل كل طرف لما يبغي من الآخر مادياً فَقَدَ شهيته وانزوى! وحينها تبدأ المشاكل بالنمو والتعاظم وتفقد العلاقة بريقها فيعتاد الزوجان على النمط الجديد ويندمجان فيه مستسلمين له راغبين عن التجديد والتجويد لإعادة العلاقة إلى ما كانت عليه في بداية الطريق..

وحين وعيتُ..

عرفتُ أن السعادة شعور داخلي ينبع من الرضا والقناعة والتقبّل.. وأن على الزوج كما الزوجة العمل على تحقيقها والثبات عليها.. وهي ليست بضاعةً مزجاة في سوق بخس.. وإنما على المرء أن يعمل جاهداً للحصول عليها ويبذل من نفسه وجهده ووقته للحفاظ عليها.. فهي نبض العلاقة التي لا تستقر إلا حين نُطعِمها من ذواتنا!

حين كنتُ صغيرة..

كنتُ أعتقدُ أن الشاب إذا أحب فتاة وبادلته المشاعر وأفصحا عن حبهما ولم يقدِّر الله جل وعلا لهما الارتباط لسببٍ ما فإن عليه أن يمضي عمره متحسِّراً زاهداً يندب حظه.. وارتباطه بفتاة أُخرى هو نقض للوفاء ونكص للمروءة..

وحين وعيتُ..

عرفتُ أن المشاعر الإنسانية وخاصة الحب هي من أرقى المشاعر التي تختلج القلوب.. ولكن الواقعية أمر أساس في طريق الاستمرار في العيش.. فإن فَقَد المرء نبضاً ذا مسار فلا أقل من أن يفتش عن نبض آخر ينعشه في الحياة.. ولو كان الوفاء بالاستسلام للألم واليأس لكان الأحرى أن تذوب الأم يأساً على وليدها إذا مات وبقيت هي على قيد الحياة!

حين كنتُ صغيرة..

كنتُ أعتقد أن الرجل حين يُفتَن بامرأة فهذا عائد إلى ضعف في قلبه.. فقد كان يجدر به أن يكون أقوى وأن لا يُستَدرج إلى التعلّق.. وأن يغض بصره ولا يفكر فيمن لا تحل له..

وحين وعيتُ..

عرفتُ أن السبب الأول غالباً في الفتنة هو المرأة.. شيءٌ ما تقوله أو تملكه أو تفعله! قد تكون نيّتها سليمة ولكنها تهزّ صرح الرجل هزّا.. فتُخرِج قلبه من صومعته ليُساق راغباً وطائعاً أو مسلوباً وراءها.. ولات حين مناص!

حين كنتُ صغيرة..

كنت أعتقدُ أن أقصر طريق لقلب الرجل كما قيل: معدته..

وحين وعيتُ..

عرفتُ قصة الطريق كلها.. وتيقّنتُ أن أقصرها لقلب الرجل هو الحب ثم الحب ثم الحب.. وتقوى الله جل وعلا فيه.. والاحترام والحوار والتغافر.. والتغافل! واتّباع القرآن والسنّة في أحكام الأسرة لا أحكام الأمم المتحدة والمواثيق الدولية والعادات والأعراف المناقضة لشرع الله جل وعلا.. فالحياة في أي مناحيها لا تصلح إلا بما أكمله الله جل وعلا لنا.. دينٌ غير ذي عوج.. من ربٍ حكيم.. هو الأعلم بما خلق!

وللحديث بقية.. بإذنه تقدّست أسماؤه!