الثورة المصرية ولحظة الحقيقة

حسام مقلد *

[email protected]

بماذا نفسر قرار المجلس العسكري بتكليف الدكتور كمال الجنزوري البالغ من العمر78سنة بتشكيل ما سمي بحكومة الإنقاذ الوطني في مصر؟ ولا خلاف على نظافة يد الرجل، لكن ألم يكن هو أحد أبرز رموز النظام السابق؟ صحيح أنه اختلف مع مبارك لكن ألا يحمل بالضرورة نفس العقيدة السياسية التي كان يحملها مبارك؟ وهل تتناسب هذه العقيدة السياسية مع ثورة 25يناير؟ ألا توجد كفاءات في مصر تحت سن الستين تكون قادرة على تبنى الفكر الثوري الجديد وتحقيق الطموحات السياسية التي يتطلع إليها المصريون؟!

ثم ألا يكرس هذا القرار قناعة الشعب المصري بأنه وقع ضحية لخديعة كبرى من المجلس العسكري ورجال النظام السابق، حيث تم إيهامه بأنه نجح في إسقاط نظام مبارك الفاسد، في حين أن الحقيقة المرة تتضح كل يوم مؤكدة أن كل ما حدث هو إسقاط رأس النظام فقط ومن حوله من زمرة الفاسدين المفسدين الذين تبنوا مشروع التوريث، لكن عقيدة المجلس العسكري السياسية التي تحكم مصر منذ ستين سنة لا تزال كما هي!!

وفيما عدا الاتفاق بين المجلس العسكري والشعب المصري على رفض مشروع التوريث والحد من فساد السلطة وتوحشها الاقتصادي ـ لا يوجد أي اتفاق حقيقي بين الطرفين، وكل قرارات وتصرفات المجلس العسكري منذ نجاح المرحلة الأولى من الثورة  تؤكد أنه لا يؤمن مطلقا بالديمقراطية الكاملة كمنهج وعقيدة سياسية حاكمة في مصر، ومن ثم لم يسعَ بجدية لتفكيك بنية نظام مبارك السياسية والاقتصادية، والقضاء على شبكات المصالح المعقدة التي أنشأها، والتي أدت إلى استشراء الفساد وسريانه في كافة أوصال المجتمع المصري، بل حافظ على كل شيء كما هو اللهم سوى استبدال بعض الوجوه بوجوه أخرى لكنها تحمل نفس الفكر!!

وإن كان هذا التحليل خاطئا فليفسر لنا أحد كيف لا زالت وزارة الداخلية تتعامل مع الأحداث بنفس العقيدة؟ وكيف يتم اختيار المحافظين بنفس الأسلوب؟ وكيف يبقى رؤساء معظم الجامعات كما هم؟ وكيف يبقى أداء كافة المسؤولين في كل الدوائر الحكومية بنفس الطريقة التي كانت في مصر قبل 25 يناير؟

قناعة المصريين الآن أن المجلس العسكري ووزارة الداخلية لا يرغبان مطلقا في سيادة العدالة والمساواة بين المواطنين؛ لأن ذلك يعني تخلي القيادات العسكرية والأمنية عن الامتيازات التي يتمتعون بها، ورجال الشرطة لن يوافقوا أبدا على مبدأ سيادة القانون؛ لأن ذلك سيحرمهم من البطش بالشعب، ويفرض عليهم الالتزام الكامل بالأداء المهني الحازم دون تجاوزات واعتداءات على حريات المواطنين، وهم لا يريدون ذلك؛ إذ يرون أنفسهم من طبقة أرقى من الجماهير!

وإضافة إلى نظرة المجلس العسكري الإستراتيجية وتقييمه للأوضاع السياسية في المنطقة والعالم، هناك قطاعات كبيرة من العسكريين ورجال الشرطة واليساريين والعلمانيين والليبراليين يخشون بشدة أن توصلنا الديمقراطية الحقيقية لحكم الإسلاميين، ويفضلون على ذلك الحكم العسكري الصريح إن اقتضى الأمر!

وكل ما حاول المجلس العسكري تحقيقه طوال الأشهر التسعة الماضية هو القضاء على الروح الثورية لدى الجماهير، وشن حملات التضليل الإعلامي عليهم عبر مختلف الفضائيات المصرية  الرسمية والخاصة، وذلك من خلال ترويعهم وبث الفزع والرعب في صدورهم: تارة بالفتن الطائفية، وأخرى بقرب الانهيار الاقتصادي وإشهار مصر إفلاسها، وثالثة بإشاعة الفوضى والانفلات الأمني، وامتناع قوات الشرطة عمدا عن أداء واجباتها في حفظ الأمن، لكن أيا كانت رؤية المجلس العسكري لثورتنا المباركة فعقارب الساعة لن تعود أبدا إلى الوراء، وبإذن الله تعالى سينجح المصريون في انتزاع حريتهم وكرامتهم وفرض إرادتهم على الجميع.

                

 * كاتب إسلامي مصري