نعود فنسأل: من أين نبدأ؟

هنادي الشيخ نجيب

[email protected]

إنّ التحركات التي نشهدها اليوم على الساحة الشبابية في كثير من بلادنا في ما يسمى    بـ (الثورات الشبابية)، بات ينطبق عليها قانون تقسيم التعليم؛ حيث ينقسم هو وإياها إلى نوعين: الأول: الأمور التي نتعلمها ونتعرف عليها، والثاني: ممارسة ما تعلّمناه وعرفناه لاكتشاف ما لم نتعلمه... وهذا الأخير يصف حقيقة ما تمر به الثورات في هذه الفترة الحساسة والحاسمة!

   فهناك أمور كنّا  قد تعلّمناها- نظرياً- وحاولنا ممارستها في أضيق حدود، أي في حدود ما توافر لنا من ظروف، لكننا لمّا نزلنا إلى الميدان، وذلك بعد أن تكسّرت الحدود وأُطلقت من عقالها الظروف؛ وجدنا أنّ ما تعلّمناه لم يكن كافياً لإكمال ما بدأناه!! وهذا يذكّر بقصة الرجل الذي علّم ولده السباحة على الفراش، ولمّا ذهب به إلى النهر غرق الولد فصاح به الأب غاضباً: ألم أعلّمك؟ فأجابه الولد وهو في الرمق الأخير: يا أبتِ...إن الناس لا يتعلمون السباحة على الفراش!!!

  لذلك فإنّ الثورات اليوم تراوح بين مفصل دقيق لا يُعرف، وبين آخر عظيم لا يُوصَف!

  وبين تعريف دقائق الأمور التي تحتاج إلى تدبّر واعٍ وغوصٍ حذر في أعماق الواقع الغارق في التصحّر السياسي والفقر الاقتصادي والاسترخاء الثقافي، وبين وصف مستجداتٍ يفوق حجمها ما تمّ تعلّمه وتوقّعه؛ تقع الثورات تحت ضغط كبير، ويسأل أفرادها وراعوها صباح كل يوم: ماذا حقّقنا؟ ومن أين نبدأ هذا اليوم الجديد؟!

   وبما أن المناسبة تدعونا للارتقاء عن الهجاء والانشغال بالبناء- كما هي حال عدد من الثورات اليوم-، لم لا نحاول الإجابة عن سؤال: من أين نبدأ؟ ونفتح قوسين في آخر الحديث لأولي كلّ تحرّك ونترك لهم مساحة لسرد إنجازاتهم وانتصاراتهم، التي نرجو أن يحاكموها وفق ما سيرد في هذه الصفحة...

   وطالما أن التغيير الذي انتهجناه منذ أشهر يجب أن يكون مستقراً ومستمراً، بحيث لا يكون استمراره عبئاً على استقراره، ولا يصبح استقراره حجة لعدم استمراره؛ فتعالوا نطر على أجنحة الشوق لنسجّل حضوراً روحانياً في مؤتمر المسلمين العام المنعقد في أم القرى، لنقرأ توصياته لهذه المرحلة الدقيقة من تاريخنا، ونعدَّ المنهجية التي تجيب بدقة على سؤالنا المتكرر: من أين نبدأ؟

   فمع شروق فجر كل ليلة من (الليالي العشر)، نستلهم أنواراً صافية ودروساً عملية تعيننا على البدء من جديد مهما كانت الظروف، وتأخذ بأيدينا إلى نقطة البداية حيث نتمسّك براية التوفيق وتنجلي أمامنا مفترقات الطريق...

   إننا في شهر الثورة على النفس لصالح الضمير الحي الأبيّ، وعلى المألوف والعادات لحساب التغيير الإيجابي، وعلى المراكز والتسميات في سبيل العبودية لرب الأرض والسماوات. سنحبس أرواحنا في مشفى هذه النفحات الطيبة لنستفرغ منها العلل المانعة من الوصول، ونصلح الخلل الحاجز عن القبول...

   هناك... سنطوف مع الثوابت الفطرية والفكرية مع كل آية من كتاب الله، وتنتفض القيم الربانية من كل تحبير لكلام الله...

   هناك... سنسعى بين مبدأ نبيل وتضحية جليلة، ونجتهد لإيجاد الحلول المرضيّة بعد التوكل والاستعانة برب البرية...

هناك... ستتضلع قلوبنا ماء اليقين، وترتوي بالإيمان، وتختلط المعاني بالشرايين وتنسكب على الجوارح كالدواء الشافي...

   نعم، سنبدأ من انعتاق الروح عن المقاصد الأرضية، وارتقاء في المدارج العلوية... من تضحية جسيمة غالية في سبيل حياة حرة مكرمة... من الثبات خلف المقامات العلية الربانية، والمرابطة على الحدود الشرعية... من استجابة لنداء يتردد صداه على مدى الأزمان... من إعلان الانخراط في ركب الذين لبّوا ربهم ولم يشركوا به شيئاً، وشهدوا له بالملك وحده، وأقروا بالحكم له سبحانه، حامدين النعمة شاكرين عليها... من الثورة على النفس نبدأ... فإذا تحقق الانتصار، صرنا مؤهلين للفوز في ساحات الثورات المفتوحة... وإلى أن نبلغ الجنان، بجوار ربٍ راضٍ غير غضبان... كل حج وأنتم على الثورة أقدر وأقوى...